ذو القرنين(مسلسل حواري) الحلقة الثالثة

مسلسل ذو القرنين
الحلقة(3)
الراوي: وصل شيخٌ طاعن في السن إلى مدينة ذي القرنين يلتمس المساعدة منه بعد أن سمع عن الكثير عن أخباره الطيبة وكثرة تجواله في البلاد سعياً وراء خدمة الناس ونصرة المظلومين منهم، ولم يسأل كثيراً عن مكان ذي القرنين حتى وصل إلى مكان إقامته، ولم يكن هذا القائد الحكيم يفرّق في استقبال الناس بين غني أو فقير أو حاكم ومحكوم، وقد ظن الشيخ بأنّ طلبَه سوف يكون كبيراً على ذي القرنين، ولكنه أراد أن يحاول، ولا بأس بالمحاولة، فحاول ووصل إلى مراده دون أي عناء أو كثرة إلحاح، حيث لم يكن من عادة هذا القائد الحكيم أن يردّ أحداً خاويَ الوصال، فاستجاب لطلبه فوراً وأحسن ضيافتَه.
بتار: سيدي ذا القرنين، أعذرني فإني دائماً أقطع خَلوتَك.
القائد: لا عليك يا بتار، إنني معتاد على ذلك منك، لعل الذي جئتني به هذه المرةَ فيه من الرضا أكثر مما هو في خلوتي، والآن أخبرني، ما الذي جئتَ لأجله هذه المرةَ؟
بتار: خبرٌ سوف يُثلج صدرَك، ويُدخل السرور إلى فؤادك.
القائد: هيا يا صديقي، شوقتني لمعرفة الخبر، هاتِ ما عندَك.
بتار: عاد الجنود محملين بالمعادن التي أمرتَ بجلبها من البلاد المجاورة، وقد تم بعون الله صنعُ الآلاف من الرماح كما أمرت، وقد جربنا المئاتِ منها حتى الآن، وكانت كلها سليمةً مئةً بالمئة لم ينثني منها رمحٌ واحد.
القائد: أحسنتم صُنعاً، ولكن هل أضفتم لها المواد الخاصة كما علمتكم فإنها من غير إضافة هذه المادة لا تُجدي نفعاً.
بتار: أجل أيها القائد، فعلنا ما أمرتنا به وكانت التركيبة ناجحة كما ترى، ولهذا كانت الرماح متينة رغم جهلنا بخصوصية تلك المواد.
القائد: لا تُشغل بالك بحقيقة هذه المواد، المهم أنها آتت ثمارَها، ولكن قل لي، هل بقي من المعدن الذي جلبه الجنود شيء؟
بتار: نعم يا سيدي، بقي الكثير منها وقد أمرت الرجال أن يضعوها في المخازن، علنا احتجنا إليها فيما بعد.
القائد: أحسنت يا بتار، إننا نحتاجها الآن بالفعل.
بتار: وهل تصلُح لغير الرماح؟
القائد: نعم يا بتار، أريدكم أن تصنعوا منها سهاماً.
بتار: سهاماً من هذه المادة المعدنية؟
القائد: أجل، أريدها قوية كالرماح، فإن للسهام دوراً في الحرب لا يقل عن دور السيوف والرماح كما تعلم.
بتار: أجل.
القائد: يجب أن نستغني عن السهام الخشبية فقد أثبتت فشلها في أكثر من حرب، ولا أريد أية ثغرة في جيشي، ولهذا أُطلب من الحدادين أن يصنعوا سهاماً معدية مما تبقى لديكم يفوق عددُها عددَ الرماح بأضعاف، فقد يحتاج الجندي الواحد إلى مئة سهم، ولا يحتاج إلى أكثر من رمح واحد في يده، هل كلامي واضح؟
بتار: فهمت قصدك أيها القائد، سوف أطلب من الحدادين المباشرة بصنع السهام من هذه اللحظة.
القائد: إصنعوا عشرة سهام واعرضوها عليّ، أريد أن أجربها قبل إتمام صنعها كيلا يذهب تعبنا هباءاً.
بتار: وهل تشك في متانتها، إننا صنعنا رماح الجيش من هذه المادة.
القائد: قد تكون هذه المادة فعّالة في الرماح دون السهام، ولا ضير في التجربة، أليس كذلك؟ فرقٌ كبير بين الرماح والسهام، فإن لكل سلاح منهما قواعدَه وضوابطَه، لعل هذا المعدنَ كان صالحاً للرماح وهو ليس كذلك في السهام، هيا دعهم يباشروا صناعة السهام وافعل كما طلبتُ منك، واخبرني بالنتيجة قبل متابعة العمل.
بتار: كما تريد أيها القائد.
القائد: هيا يا بتار أطلب من الحدادين صنع عشرة سهام وآتني بها على الفور، إن الوقت يداهمنا.
بتار: أمرك أيها القائد، ساعةٌ واحدة وتكون السهام بين يديك.
يافع: ما بك يا بتار؟ لما هذه العجلة؟
بتار: أمرني القائد بصنع سهام من المعدن الجديد، وهو ينتظر عودتي يريد أن يطمئن على صلابتها.
يافع: إن كان الأمر كذلك فسوف أؤجل حديثي معك إلى وقت آخر.
بتار: أعذرني يا يافع يجب أن أقوم بالعمل فوراً.
يافع: هيا تابع عملك، نلتقي في وقت لاحق.
بتار: سيدي ذا القرنين، صنعنا عشرة سهام من هذا المعدن وأخضعناها للتجربة فكانت قوية كما حالُ الرماح.
القائد: أعطني سهماً منها، أريد أن أجربه بنفسي.
بتار: هل رأيت يا سيدي، إنه متين للغاية، يصيب هدفه بدقة.
القائد: الحمد لله، إسمع يا بتار، يجبُ أن تكون السهامُ جاهزةً في غضون ثلاثةِ أيام كحدٍ أقصى.
بتار: ثلاثة أيام فقط؟ ألا ترى أنه مستحيل أيها القائد؟
القائد: ليس من المستحيل أن نجرّب المستحيل، كم مرةً بدا لنا أمرٌ أنه مستحيل فكان العكسُ عند التجربة، ألم نتحدث بمثل هذا الأمر فيما مضى، وتبيّن لك أنه لا شيء مستحيل إذا كان الهدف سامياً؟ هيا يا بتار، لا تضيّع الوقت، مرهم أن يبدأوا بصناعة السهام من هذه اللحظة.
بتار: لك ما تريد أيها القائد، ولكننا بحاجة إلى مئة ألف سهم على الأقل، ولا أظن الحدادين قادرين على هذا الإنتاج في غضون أيام ثلاثة.
القائد: بتار، إفعل ما أمرتك به وإلا أوكلت هذه المهمة إلى غيرك.
بتار: عفوك أيها القائد سوف أنفذ الأمر في الحال.
القائد: الحمد لله رب السماء والأرض، الحمد لله الذي مكنني في الأرض وآتاني من كل شيء سبباً، أصبح بإمكاننا الآن أن نجهز أنفسنا للسفر.
بتار: سفرٌ مرةً أخرى؟ إنّ الجيش لم ينفض الغبار عن نفسه بعد، لقد زرنا معظم البلاد أيها القائد.
القائد: أنت قلتَها بنفسك، معظمَ البلاد، وليس الكل، أليس كذلك؟
بتار: الأمر لك أيها القائد، أنا رهن إشارتك، بالمناسبة، هناك شيخٌ طاعن في السن يطلب الإذن بالدخول عليك.
القائد: ولماذا لم تخبرني بالأمر، دعه يدخل على الفور لعله طالب حاجة لا يُمكن تأجيلُها.
بتار: تفضل أيها الشيخ، القائد بانتظارك.
الشيخ: السلام على القائد العادل ذي القرنين.
القائد: وعليك السلام أيها الشيخ، مرني بما تريد، وأنا في خدمتك.
الشيخ: عفوَك يا سيدي، سمعتُ أنك تجول في البلاد باحثاً عن مواطن الظلم حتى تنصر المظلومين وتعلّمَ الناس ما يحتاجون إليه في مسيرة حياتهم.
القائد: هذا من فضل ربي، قل ما عندك أيها الشيخ ولن تكون إلا راضياً بإذن الله.
الشيخ: هناك قوم عند مغرب الشمس هم بأمس الحاجة لمساعدتك، إن فريقاً من الناس يهجمون عليهم كلَ يوم فيقتلون منهم عدداً، إنهم على هذه الحال منذ سنوات.
القائد: نذهب إليهم بإذن الله، هل من طلب آخر.
الشيخ: أتمنى لك التوفيق أيها القائد.
القائد: بتار.
بتار: أمرك سيدي.
القائد: قم بإكرام الضيف على أتم وجه، وجهز له حمولة من الطعام يصطحبها معه إلى دياره.
الشيخ: شكراً لكرمك وحسن ضيافتك.
القائد: هذا واجبي يا عم، أتمنى أن لا أكون مقصراً في حقك، اللهم وفقني لبلوغ مرادي.
الشيخ: ألم تبلغ مرادك بعدُ أيها القائد بعد كل الذي قمتَ به؟
القائد: أمنيتي أن أنشر العدل في جميع بقاع الأرض، لن أهنأ بعيش طالما هناك مظلوم واحد يعيش في أقصى الأرض.
الشيخ: أتمنى لك التوفيق في رحلتك.
الشيخ علي فقيه



