الفكر الكربلائي

الفكر الكربلائي

مفهوم الإنتصار

 

مفهوم الإنتصار

 

قال تعالى(إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ)

وفي سورة محمد(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)

مع تتبُّع آيات الكتاب العزيز يظهر لنا أن الله تعالى قد أشار إلى مسألة النصر والإنتصار أكثر من مئة وخمسين مرة، وهذه الكثرة في ذكر النصر والإنتصار تدل على أهمية هذا الموضوع.

والناس في طلب النصر نوعان:

نوع: يطلب النصر من أجل مصالحه الخاصة، ونوع يطلبه من أجل المصلحة العامة، ولكل نوع منهما نتائجه المعيّنة.

وقد شهد التاريخ الآلاف من المعارك والثورات والإنقلابات ولم يحصل شيء من ذلك إلا وفيه منتصر ومهزوم.

ولا بد هنا من التعرّض لمفهوم الإنتصار لنعرف حقيقته، فهل يعني الإنتصار أن يرجع القائد وجيشه إلى أوطانهم سالمين غانمين من دون أن يصاب واحد منهم بأذى؟ أو أن الإنتصار شيء ودفع الضريبة شيء آخر لأنه لا يوجد انتصار من دون ثمن.

والحسين(ع) انتصر رغم أنه قتل هو وأولاده وأصحابه وهنا يكمن السر، لأن معنى الإنتصار في نظر الحسين(ع) هو تحقيق الأهداف، وقد توقف تحقيق أهدافه على استشهاده فكان استشهاده باباً لهذا الإنتصار العظيم الذي حققه في كربلاء، ولكن كثيراً من الناس يفهمون معنى الإنتصار بغير هذه الطريقة التي يفهمها الحسين، فهم يريدون للمنتصر أن لا يخسر شيئاً، وهذا الأمر من سابع المستحيلات لأن الطبيعة التكوينية تفرض دفع الضريبة لكل انتصار.

نحن نسأل هؤلاء، ألم ينتصر الرسول ببدر رغم أنه خسر كثيراً من الشهداء وسقط الكثير من الجرحى؟ فهل لأنه استشهد من المسلمين بعض الرجال فإننا ننفي الإنتصار العظيم في تلك المعركة التي كانت بالنسبة للرسول معركة مصيرية؟ فالذين يفهمون معنى الإنتصار هو الخروج من المعركة من دون أية خسارة فإن فهمهم هذا مخالف للقرآن الذي أخبرنا بأن الله تعالى نصر المؤمنين في تلك المعركة عندما تدخّلت الإرادة الغيبية، ألم يقل تعالى(وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ) كان معهم ملائكة تقاتل بين أيديهم ورغم ذلك خسروا رجالاً لأن الله تعالى منّ عليهم بالشهادة.

هابيل انتصر على أخيه قابيل رغم أن قابيل قتله، ونوح انتصر على قومه رغم أنه خسر ولده ووطنه، وأيوب انتصر على الشيطان وقد خسر أولاده وجميع ممتلكاته…

وإبراهيم انتصر على نمرود رغم ما حصل له من المتاعب والصعوبات، وموسى انتصر على فرعون رغم الخسارات المادية التي وقع بها، وخاتم الرسل انتصر رغم الظلم والجور والفتك به وبالمسلمين، وعلي انتصر في معاركه الثلاث رغم عشرات الآلاف من القتلى الذين سقطوا في تلك المعارك، وكذا فإن الحسين انتصر رغم استشهاده وهذا الأمر بالذات لا يحتاج إلى أدلة وإثباتات لأن الأمر واضح كالشمس.

 

مُعادَلَةٌ غَرِيْبَة

 

كانت معركة كربلاء أبرز مصداق لقوله تعالى(قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ) حيث كانت نسبة الكثرة هناك عالية جداً ونسبة القلة متدنية جداً، فقد ينتصر مئة على مئتين أو ألف كأقصى حد، وهذا ما صرّح به القرآن الكريم حيث قال تعالى(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ)

ففي معنى الآية هنا لا يوجد تكافئ عسكري حيث بلغ ضعف العدو عشرة أضعاف عدد المؤمنين، ولكن الله تعالى أنعم على المؤمنين بأن نصرهم على عدو فاق عدده عددهم بكثير، فما بالكم بمجموعة انتصرت على جيش فاق عدده عددها بثلاثماية ضعف حيث كان عدد أفراد تلك المجموعة مئة شخص وعدد أفراد الجيش المعادي ثلاثين ألفاً أي أنه بلغ عدده ثلاثماية ضعف عدد تلك المجموعة، وبعملية حسابية أخرى يتضح لدينا أنه كان مقابل كل رجل من جيش الإمام الحسين ثلاثماية رجل من جيش يزيد.

وهنا يظهر لنا جلياً مدى عظمة الإنتصار الذي تحقق على يد الإمام الحسين(ع) في كربلاء.

الشيخ علي فقيه

الشيخ علي الفقيه

قال سبحانه( واذكر ربك حتى يأتيك اليقين) إن ذكر الله عز وجل لا ينحصر بجارحة اللسان بل يجب أن ينبع من صميم القلب وتترجمه الطاعة الصادقة التي تتحقق بفعل الواجب والمستحب وبترك كافة المحرمات جعلنا الله واياكم من الذاكرين العابدين الصادقين الشيخ علي فقيه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى