مؤلفات

قِصَّةُ رُؤْيَا صَاحِبَي السِّجْن

قِصَّةُ رُؤْيَا صَاحِبَي السِّجْن

بعد مُراودة زُلَيخا لنبي الله يوسف(ع) واستعصامه أمرَتْ بزّجِّه السِّجن ظلماً، ونَزَل عزيزُ مِصْرَ عند رغبتها فسجنه خوفاً من الفضيحة وإرضاءاً لزوجته التي كانت فائقة الجمال.
وكان معه في السجن رجال رأوا من حسنِ أخلاقه ما أدهشهم، فلم يروه إلا ذاكراً لله سبحانه وتعالى فعَظُم شأنه في نفوسهم وأصبح يوسف المرجع لهم في العديد من الشؤون.
وقد أُدخل السجن رجلان كانا مقرَّبين من الملك وقد خاناه، وكان واحد منهما مغرراً به.
وقد سحرهما جمال وجه يوسف وأخلاقه فلم يشعروا بمرارة السجن وهم معه، وراح يعلمهما الدين ويدعوهما إلى الإيمان بالله تعالى كما كان يفعل كل الأنبياء(ع).
وفي ليلةٍ من الليالي شاءت حكمة الله أن تبدأ مرحلة جديدة ليوسف الصدّيق الذي دفع ثمن جريمة لم يرتكبها، والله تعالى يُجري الأمور بأسبابها، ففي صبيحة تلك الليلة استيقظ السجينان وكان كلٌ منهما قد رأى مناماً شغل باله ولم يعرف تأويله، ولا يوجد من يفسر لهما الرؤيا إلا الصدّيق يوسف.
(وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)
أما الأول فقد رأى في منامه أنه يقطف عناقيد عِنبٍ ويعصرها في أوانٍ.
وأما الثاني فرآى أنه يحمل خبزاً فوق رأسه وكانت الطيور تأتي وتأكل من ذلك الخبز، ولأنهما عرفا فضل يوسف وأدركا أنه من العلماء فقد سألاه أن يفسر لهما مناميهما.
لقد استغل يوسف هذا الموقف فعرض لهما ما عنده من تعاليم الدين الذي بُعث به ثم شَرَع في تفسير مناميهما.
فأخبر الأول بأنه سوف يرجع إلى القصر ويرضى عنه الملك بعد أن تثبت براءته، وسوف يكون ساقياً للملك.
وأما الثاني فأخبره بأنه فسوف يُحكم عليه بالموت ويُصلب على نخلة فتأتي الطيور الجارحة وتأكل لحم رأسه.
ثم طلب يوسف من صاحب الرؤيا الأولى وقد علم بأنه سوف يخرج من السجن أن يذكره عند الملك فإنه يريد أن يبيّن مظلوميته ويُجلي الصورة التي اتُخذت عنه بسبب فعل زليخا.
فخرج صاحب الرؤيا الأولى من السجن ولكنّ الشيطان أنساه طلب نبي الله يوسف منه فلم يذكره عند الملك، وبسبب نسيانه لبث يوسف في السجن بضع سنين.
ومرّت بضع أعوام حتى استفاق الملك ذات صباح على رؤيا مزعجة(وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ) فعجز العلماء في ذلك العصر عن تفسير تلك الرؤيا، وهناك تذكّر الساقي نبي الله يوسف فذكر أمره عند الملك فأخبره بأمر يوسف فأرسله الملك إلى يوسف ليسأله عما رآه، فذهب الساقي إلى يوسف وأخبره برؤيا الملك ففسرها له(قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ) وعندما رجع الساقي إلى الملك وأخبره بما قاله يوسف أُعجب به فأمر الملك بإخراجه من السجن على الفور فخرج من السجن منتصراً وحصل كل ما قاله يوسف بعد تلك الرؤيا.
وقبل أن يخرج من السجن اشترط عليهم أن تعترف زليخا بذنبها فأجبرها زوجها على الإعتراف فاعترفت بالذنب الذي ارتكبته في حق يوسف الطاهر.
(قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ)
وقد أُعجب الملك بجمال وجه يوسف وجمال أخلاقه وغزارة علمه وفطنته فقرر أن يدنيه منه ويسلّمه منصباً رفيعاً في مصر وقد فعل وأصبح يوسف(ع) حاكم مصر وقد منّ الله عليه بعد أن كان من الصابرين الذاكرين العابدين.

الشيخ علي الفقيه

قال سبحانه( واذكر ربك حتى يأتيك اليقين) إن ذكر الله عز وجل لا ينحصر بجارحة اللسان بل يجب أن ينبع من صميم القلب وتترجمه الطاعة الصادقة التي تتحقق بفعل الواجب والمستحب وبترك كافة المحرمات جعلنا الله واياكم من الذاكرين العابدين الصادقين الشيخ علي فقيه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى