مؤلفات

قِصَّةُ الشَّاهِدِ فِيْ قَصْرِ العَزِيْز

قِصَّةُ الشَّاهِدِ فِيْ قَصْرِ العَزِيْز

(وَاسُتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)
حاولت معه بكل الوسائل المتاحة لديها فلم يستجب لها، وعرضتْ عليه الدنيا فرفضها، وسهّلت له طرق المعصية فاستصعبها، وكانت تلحق به من مكان إلى مكان داخل الغرفة، وكأنها جُنّت، وكان يفلت من بين يديها ويحاول فتح أي باب من التي أحكمت إغلاقها حتى استطاع فتح أحدها فتفاجأ بوجود عزيز مصر خلف الباب، وكانت صدمة كبيرة للطرفين، فراحت تتمظهر بمظهر المغلوب على أمره وبادرت زوجها بالقول(مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا) وقد عمِلت بالمثل الشعبي الشهير(ضربني وبكى سبقني واشتكى) وفي تلك اللحظة لم يَعُد همها إشباع رغبتها، بل تبرئة ساحتها، لأن تبعات هذا الذنب كبيرة عليها وعلى زوجها العزيز، فحاولت أن تبرّئ نفسها على حساب شاب صادق وطاهر لم يقترف أي خطأ، ولكن الله تعالى يؤيّد عباده بنصره.
وهنا وقع العزيز في مشكلة كبيرة، فقد خاف من الفضيحة وأراد أن يدفن السر داخل القصر كيلا ينتشر الخبر فتذهب كرامته، ولا نعرف ما الذي ربط على قلبه، فلو حصل مثل هذا مع غيره لارتكب حماقة من ساعتها، ولكنه كان رجلاً واعياً يُدرك عواقب الأمور، ولهذا تأنى في العقاب، فلا يصح في حق رجل مسؤول مثله أن يتسرع في الحكم على أحد، فعندما وجداه واقفاً خلف الباب يسترق السمع تعاملت معه بكيدٍ واضح، ولعله كان يقف خلف الباب من البداية يسمع ما يدور من حديثٍ بينهما، ولكنه كره أن يوجّه الإتهام المباشر لزوجته التي كان يحبها حباً كبيراً أو ليوسف الذي لم يعرف عنه إلا الخير منذ أن وطئت قدماه قصره، فوقع في ورطة حقيقية لا يدري كيف الخلاص منها.
فزُليخا تتهم يوسف بالفاحشة وأنه راودها عن نفسها(مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا) ويوسف المندهش يحاول ردّ التهمة عن نفسه(قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي) فهل يصدّق العزيز يوسف الصدّيق ويكذّب زوجته الحبيبة، أم يصدقّها ويكذّب يوسف البريء؟ إنه في وضعٍ لا يُحسَد عليه، فما العمل إذاً؟
وهنا تدخّلت إرادة الله سبحانه كيلا يحترق هذا الشاب بتهمة كاذبة في حقه، فكان في القصر أحد أقارب زليخا، وكان رجلاً حكيماً، فوضع ميزاناً لحل تلك المشكلة، وكان عزيز مصر يأخذ بكلامه لحكمته ونباهته.
فهل عندك أيها الحكيم حلٌّ لتلك الورطة؟
نعم: الحل يكمن في النظر إلى قميص يوسف، فإن كان قُدّ من الخلف فهو صادق في دفاعه عن نفسه، أما إن كان القدّ من الأمام فهي صادقة فيما تدّعيه، وعندما وجدوا القميص قد قُد من الخلف ظهرت لهم الحقيقة جليّةً(وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ * وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ) وعندها راح عزيز مصر يلاطف يوسف ويطلب منه نسيان هذا الموضوع(يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا) ثم توجّه إلى زوجته بلغة التوبيخ وطلب منها الإستغفار لهذا الذنب الشنيع الذي ارتكبته في حق إنسان شهم ونبيل(وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ)
وقد اختلف المفسرون في حقيقة هذا الشاهد:
فمنهم مَن قال بأنّ الشاهد كان طفلاً رضيعاً وقد أنطقه الله بقدرته حتى يبرّئ ساحة عبده يوسف.
ومنهم مَن قال بأن الشاهد أحد أقارب زليخا بدليل قوله تعالى(شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا)
ومنهم مَن قال بأن الشاهد هو الحال، أي أنهم بمجرد أن رأوا قميصه قُدَّ من دُبُر اعتبروها شهادة على براءته.

الشيخ علي الفقيه

قال سبحانه( واذكر ربك حتى يأتيك اليقين) إن ذكر الله عز وجل لا ينحصر بجارحة اللسان بل يجب أن ينبع من صميم القلب وتترجمه الطاعة الصادقة التي تتحقق بفعل الواجب والمستحب وبترك كافة المحرمات جعلنا الله واياكم من الذاكرين العابدين الصادقين الشيخ علي فقيه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى