كبائر الذنوب

سِلْسِلَةُ كَبَائِرِ الذُنُوْب

الكَبَائِرُ وَالصغَائِرُ

 

 

الكَبَائِرُ وَالصغَائِرُ

 

قال سبحانه في سورة النساء(إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا)

يوجد في شريعة الإسلام أنظمة دقيقة وقوانين محدَّدة لكل سلوكٍ سواء كان فِعلاً أو تَرْكاً أو كلاماً أو حركة معيَّنة، وهذا ما امتاز به هذا الدين الحنيف عن باقي الأديان التي لم تكن بهذا المستوى من الدقة في وضع الأنظمة وسَنِّ القوانين.

ومن جملة تلك الأنظمة الدالة على عظيم الحكمة والعدالة موضوع الفصل بين الذنوب وتصنيفها إلى كبائر وصغائر، فلا يعاقَب فاعل الصغيرة بمثل ما يعاقَب به صاحب الكبيرة.

ويعود سبب هذا التصنيف إلى مستوى المعصية التي تصدر عن الإنسان، حتى في ذات الكبائر يوجد هذا التمايز فإن البهتان أقبح من الغيبة، والقتل أقبح من الكذب، والشرك أعظم من القتل، وهكذا الأمر في الصغائر أيضاً.

ومن هنا نشأت الدرجات في جهنم فإن لكل عاصٍ درجة خاصة من العذاب بحسب الذنوب التي كان يرتكبها في دار الدنيا، وهذا التمايز لا يختص بالمعصية فقط بل هو يشمل الحسنات أيضاً، فكما كان في جهنم درجات ومستويات مختلفة فكذلك يوجد في الجنة مثل هذا التمايز، ولا يمكن لأحد أن ينكر هذه الحقيقة الثابتة والواضحة.

والآية الكريمة أشارت إلى وجود نوعين من الذنوب من دون أن تشير إلى وجود تمايز في نفس الكبائر ونفس الصغائر.

والآية الكريمة هنا موضع نقاش واسع حيث يتعلق بها مفهوم عقائدي كبير لا يقبل أي نوع من أنواع الوهم، ولا يكفي النظر إلى ظاهرها من دون الرجوع إلى النصوص المفسرة لها حيث قد يفهم البعض جواز ارتكاب الصغائر، وهذا وهم واضح، لأن الإنسان مأمور بترك النوعين، ولكن السؤال هناهو أنه: إذا كان الإنسان مأموراً بترك النوعين فلماذا اشترطت الآية علينا ترك الكبائر دون الصغائر وجعلت ترك الكبيرة سبباً في تكفير الصغيرة أو في زوال أثر الصغيرة؟

فهل أننا عند اجتناب الكبائر تُكَفَّرُ عنّا الصغائر بشكل أوتوماتيكي من دون أن نستغفر منها أو نندم على ارتكابها؟ وهل أن تارك الكبيرة سوف يترك الصغيرة حتماً؟

أما بالنسبة للسؤال الأخير فإن الإجابة عليه واضحة لأن الإنسان إما أن يفعل الكبائر دون الصغائر، أو يفعل الصغائر دون الكبائر، أو يفعلهما معاً، وقد عرفنا أن الكبيرة لها حسابها الخاص، والصغيرة لها عقابها المحدَّد، غير أن الإشكال وقع في كون الآية الكريمة تحتوي على شرط وجزاء، والشرط فيها هو اجتناب الكبائر، والجزاء تكفير الصغائر، فلو تركنا الأمر على ما هو عليه من دون الإستعانة بالقرائن الأخرى فسوف نقع في مشكلة يصعب حلها، وقد ينشأ لدينا من خلال هذه الآية الكريمة عدة احتمالات:

الإحتمال الأول: أنه بمجرد تكرك الكبائر تُغفَر الصغائر مباشرة، وهذا احتمال مرفوض لاعتقادنا التام بكون التبعات ملازمة لكبائر الذنوب وصغائرها مع وجود فارق بينهما في حجم العقاب جيث نعتقد بأن عقاب الصغيرة أقل من عقاب الكبيرة.

الإحتمال الثاني: أن يكون ترك الكبيرة سبباً في ترك الصغيرة، بمعنى أن الذي يترك الكبائر فإنه حتماً سوف يترك الصغائر، وهذا وهم واضح لعِلْمنا بأن الواحد منا قادر على ترك الكبيرة مع فعله للصغيرة أو العكس حيث أن الكبائر تصب في جهة، والصغائر تصب في جهة ثانية.

الإحتمال الثالث: أن لطف الله بعباده كبير، وأن الحكمة عنده اقتضت الغفران لكل من اجتنب الكبائر خوفاً من عقابها الشديد فلا يبقى مع ترك الكبائر عقاب على الصغائر، وهذا ليس من القواعد الصحيحة لأنه يفتح المجال أمام الناس بارتكاب الصغائر وإن كثرت، وهذا مخالف للنظام العام المجعول للذنب وما يتعلق به من تبعات وآثار.

ولا يمكن الأخذ بأي احتمال من هذه الإحتمالات لأنها لا تصيب الحقيقة، ولكن البحوث التالية سوف ترشدنا إلى المعنى المراد من الآية الكريمة.

الشيخ علي فقيه

الشيخ علي الفقيه

قال سبحانه( واذكر ربك حتى يأتيك اليقين) إن ذكر الله عز وجل لا ينحصر بجارحة اللسان بل يجب أن ينبع من صميم القلب وتترجمه الطاعة الصادقة التي تتحقق بفعل الواجب والمستحب وبترك كافة المحرمات جعلنا الله واياكم من الذاكرين العابدين الصادقين الشيخ علي فقيه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى