
لَيْلَةُ القَدْرِ فِي المَفْهومِ الإِسْلامي
يمتاز دين الإسلام يتعظيمه للأمور التي يجب أن تُعَظَّم، وإظهاره للحقائق وكشفه عنها بشكل يمنع من دخول الوهم على الأمر المبحوث عنه لأن وظيفته الأساسية كشف الحقيقة وإيصالها إلى الأذهان والقلوب بأحسن الطرق وأجود الأساليب لأن الهم لديه لا يقف عند حدود ذِكر الشيء أو مجرد بيانه بل يتعدى الأمر هذا الحد لتنحلَّ وظيفته إلى اثنتين، ثانيتهما إيضاح الفكرة لتتم الحجة بذلك.
فلقد أعطى الإسلام الحنيف أهمية بالغة لليلة القدر التي جعلها القرآن خيراً من ألف شهر، فبيّن جميع مفاهيمها وقدّمها للبشرية على طبق من نور، وأشار إلى كل أبعادها وما يتعلق بها من جميع النواحي فأحاط بها من كل جانب فجعلها بذلك جامعة لكل معانيها وطاردةً للأغيار التي من ديدنها أن تُلقي غشاوة على أية حقيقة والتعتيم على كل مَعْلومة يستفيد منها الناس لدينهم ودنياهم، فتارة يتحدث الإسلام عن ليلة القدر كزمن خاصٍّ ووقتٍ مبارك قد بارك الله فيها ثواب العمل، وأخرى يتحدث عنها من حيث كيفية التعاطي معها عبر بيان الآداب التي ينبغي أن تقام فيها كالصلاة والدعاء وتلاوة القرآن.
وقد أولى علماؤنا الكرام اهتماماً كبيراً لليلة القدر فوضعوا منهجية خاصة لكيفية استغلالها فيما يستفاد منه على مستوى الدنيا والآخرة فجمعوا الأدعية والأعمال الخاصة بها ورغّبوا الناس بإحيائها بعد أن أشاروا إلى مفاهيمها العامة والخاصة، ولكن الناس هم الذين أهملوا هذا الجانب العظيم لليلة القدر حيث تفرّغوا لإحيائها بالأعمال المأثورة مُخلِّفين وراءهم خسارة كبرى كان من الممكن استدراكها قبل فوات الأوان، فإذا كان لك في العمل مع الجهل بحقيقة تلك الليلة حسنة واحدة فإن لك في العمل مع العلم بحقيقتها أضعاف مضاعَفة لأن العمل الناشئ عن العلم والمعرفة أنفع وأثمر وأربح، وهذه حقيقة واضحة وثابتة لا يستطيع أن ينكرها أحد.
ونحن بدورنا ننصح جميع المؤمنين والمؤمنات الذين يرجون ثواب ربهم ويخشون عقابه بالسعي الجاد لاكتساب كل معرفة تتعلق بتلك الليلة المباركة فإن مَرَدَّ هذه المعرفة عظيم سوف تظهر لهم آثاره في موازين الآخرة عندما يجمع الله عباده للحساب، فلا ينبغي للعاقل أن يُهمل شيئاً من ذلك لأن أي إهمال في أي أمر من أمورها يعود عليه بالخسارة، وربما تكون الخسارة كبيرة جداً.
الشيخ علي فقيه



