
الجهاد الأكبر
الجهاد الأكبر هو النافذة التي يعبر الإنسان منها إلى كل الواجبات حيث لا يمكن أن يصدر عن النفس طاعة لله عز وجل إلا من خلال مجاهدة النفس التي اعتبرها النبي جهاداً أكبر من القتال في سبيل الله حيث أن القتال في سبيله ينبثق عن جهاد النفس، فمن دون جهاد للنفس لا يصل الإنسان إلى مطلوبه من الراحة والسعادة، وهذا ما نستفيده من قول الإمام علي: جهاد النفس مهر الجنة: وجهاد الهوى ثمن الجنة: فأصحاب هذا النوع من الجهاد هم أهل طاعة الله وهم الذين يسيطرون على أهوائهم ويدفعون عنها كيد الشيطان الغوي، وهم أهل منزلة مرموقة عند ربهم لقول علي: إن المجاهد نفسَه على طاعة الله وعن معاصيه عند الله سبحانه بمنزلة بَرٍّ شهيد: ونلاحظ بأن صدور الطاعة يحتاج إلى هذا النوع من الجهاد وكذلك الإمتناع عن المعصية لأن الأمر يحتاج إلى إرادة عالية وصادقة ويحتاج إلى طلب العون من الخالق جل وعلا والصبر على الطاعة وعن المعصية إذ لا يمكن أن يدوم ذلك إلا بالتوجه الخالص إليه عز وجل، والملاحظ هنا هو أن النبي وآله يركزون على تلك الأمور التي تصنع نفساً زكية كلجمها ومحاسبتها ومراقبتها بشكل دائم فإن جميع هذه المسائل هي من جهاد النفس الذي عبّر عنه علي بأنه شيمة النبلاء، فمجاهدة النفس لها آثار كريمة على الإنسان وأول آثارها أنها ترده عن الهوى لقول الكاظم: جاهد نفسك لتردها عن هواها فإنه واجب عليك كجهاد عدوك: فمجاهد نفسه هو العاقل الذي يفكر بطريقة سليمة تنجيه من عذاب أليم، فإذا لم يصنع ذلك فقد استعمل قوته العقلية في غير الوجهة الصحيحة ولذا قال علي: ينبغي للعاقل أن لا يخلو في كل حالة عن طاعة ربه ومجاهدة نفسه: وفي موضع آخر يحثنا الإمام على جهاد النفس والإسراع بالتوبة كي نغسل بها ذنوبنا قبل أن يدركنا الأجل المانع للطاعة والفاصل بين الإنسان وعمله فقال: جاهد نفسك وقدّم توبتك تفُزْ بطاعة ربك: يعني أنك بهذه الطريقة تصل إلى الطاعة المطلوبة منك والمفروضة عليك.
ويكشف لنا الرسول عن حقيقة المجاهد فيقول: المجاهد من جاهد نفسه في الله: ويقول علي: حاربوا هذه القلوب فإنها سريعة العِثار: ويقول الباقر: إن المؤمن مَعنيٌّ بمجاهدة نفسه ليغلبها على هواها، فمرة يُقيمُ أَوَدَها ويخالف هواها في محبة الله ومرة تصرعه نفسُه فيتبعُ هواها، فَيَنْعَشُه الله فيَنتعش ويُقيل اللهُ عثرته فيتذكّر:
وقال الصادق: إن النبي بعث بسرية فلما رجَعوا قال مرحباً بقوم قضَوا الجهاد الأصغر وبقي الجهاد الأكبر، قيل يا رسول الله وما الجهاد الأكبر؟ قال جهاد النفس: وقال علي: أفضل الجهاد من جاهد نفسه التي بين جنبيه:
الشيخ علي فقيه



