
شروط الفوز بالجنة
الجنة التي حدّثنا القرآن عنها في مواضع كثيرة والتي ذكر لنا جملة من أوصافها وأنظمتها ليست لجميع الناس ولا لجميع المسلمين بل ولا لجميع المؤمنين إذا لاحظنا الإيمان من زواياه العامة، وكثير من الناس يتمنون الفوز بالجنة والتنعّم بنعيمها بل وكثير منهم يعتقدون بأنهم داخلوها فيتفاجؤون يوم القيامة بأنهم ليسوا من أهلها ولا من مستحقيها بسبب المغالطات التي مُزجت بأعمالهم ومعتقداتهم حول العديد من التكاليف الموجهة إليهم من ربهم عز وجل.
مثلاً.. نقلنا في البحث الماضي حديثاً عن الصادق الذي قال: قول لا إله إلا الله ثمنُ الجنة: فقد يظن السامع للوهلة الأولى بأن مجرد التلفظ بهذه الكلمات يُكسبه الجنة، وهذا خطأ جسيم ووهم ملحوظ بشكل واضح إذ لو كان ثمن الجنة مجرد هذه الكلمة لانتفى من الوجود وجود العمل الصالح ولَاختلّت به أنظمة قرآنية كثيرة تلك التي تُقرِن الإيمان بالعمل وتربط قبوله بتحققه وتدعو إلى العمل لأن الله تعالى سوف يرى العمل ويحاسب على أساسه، فلكي تكون كلمة لا إله إلا الله ثمناً للجنة حقاً كان لا بد من إتمامها وإخلاصها، وإخلاص هذه الكلمة العظيمة هو أن تحجز الإنسان عن فعل الحرام بمعنى أن يقوم بكل التكاليف الإلهية من واجبات ومحرمات وهو التطبيق العملي لكلمة التوحيد ولهذا قال رسول الله: من قال لا إله إلا الله مخلصاً دخل الجنة وإخلاصه أن تَحجِزه لا إله إلا الله عما حرم الله عز وجل: ويروي أحدهم أنه سمع رسول الله يقول قال الله جل جلاله لا إله إلا الله حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي، قال الراوي فلما مرّت الراحلة نادانا(ص) فقال: بشروطها وأنا من شروطها: يعني طاعة الرسول وأهل بيته من أهم شروط كلمة التوحيد لأنهم الباب المؤدي إلى رضوان الله عز وجل، ويذكر صاحب البحار أن رجلاً أتى الإمام الباقر فسأله عن هذا الحديث المروي عن رسول الله فقال له الإمام الخبر حق، فولّى الرجل مدبراً فأمر الإمام بردّه ثم قال: يا هذا إن ل لا إله إلا الله شروطاً ألا وإني من شروطها: يعني الولاية.
بأي شيء ندخل الجنة؟
على مبتغي الراحة وطالب السعادة والراغب بالجنة أن يسأل عن السبل التي توصله إلى مطلبه وتحقق له هدفه، لأن تحقيق الأمنيات والحصول على السعادة المرجوة لا يحصل إلا عن طريق السعي الخاص لأن السعي لكسب الجنة خاص جداً له طرقه وأساليبه وكيفياته، ولا ينبغي للمؤمن أن يهمل معرفة هذه الأساليب لأن إهمالها يعني ناموس الخطر وعدم الأمن من العذاب إذ لا يستطيع المرء أن يحصن نفسه إلا بمعرفة الطرق المؤدية إلى الجنة والأشياء التي توصله إلى نعيمها الدائم، ولقد منّ الله علينا بعصبة طاهرة عالمة هي التي رسمت للبشرية سبل الخير وطرق السعادة وهم محمد وآله(ص) الذين علّمونا في الحياة كل ما نحتاج إليه للحياة وللمات.
ففي ذكرهم للأمور التي تُكسبنا الجنة قال(ص) أكثر ما تلج به أمتي الجنة تقوى الله وحسنُ الخلق: فيجب أن يحذر سيّء الخلق من سوء خلقه المانع له من الوصول إلى السعادة فقد ورد أن سيء الخلق لا يدخل الجنة مهما قدّم من الطاعات لأن حسن الخلق هو النافذة التي يُمرّر من خلالها أعماله الصالحة، قال سبحانه(فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا) فالمعيار الأساسي للحصول على ذاك النعيم هو العمل الصالح قال تعالى(وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا) لا يُنقص الله تعالى من ثواب أعمالهم شيئاً وإنما يجزيهم بالجنة فهي أعظم من أعمالهم فكما يعبّر الإنسان عن خوفه من الله بالطاعة فكذلك يعبّر الله عن شكره للإنسان بأن يدخله جنة الخلد كما وعده، وقد سئل(ص) عن عملٍ لا يُحال بينه وبين الجنة فقال: لا تغضب ولا تسأل الناس شيئاً وارض للناس ما ترضى لنفسك: وقال: ثلاث من لقي الله عز وجل بهن دخل الجنة من أي باب شاء، من حَسُنَ خلُقُه وخشي الله في المَغِيب والمَحضر وتَرَكَ المراء وإن كان محقاً: وقال الباقر: عشرٌ من لقي الله بهن دخل الجنة: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله والإقرار بما جاء من عند الله عز وجل وإِقامُ الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم شهر رمضان وحج البيت والولاية لأولياء الله والبراءة من أعداء الله واجتناب كل مسكر: وقال علي: دخول الجنة رخيص ودخول النار غالٍ:
الشيخ علي فقيه



