الإنسان في نظر القرآن

الإنسان في نظر القرآن
لولا التعاليم التي بيّنها القرآن الكريم حول حقيقة الإنسان وخصوصياته وعمومياته لما استطاع البشر أن يتوصلوا إلى تلك المعلومات حول جوهر الإنسان المادي والمعنوي، فنلاحظ بأن ذكر الإنسان ورد كثيراً في الكتاب العزيز من باب لفت النظر إلى أهمية هذا المخلوق القريب من عين الله، إن كل ما في هذا الوجود له علاقة بالإنسان سواء كان قريباً أو بعيداً معلوماً أو مجهولاً لأن الإنسان يشكّل قطب رحى الوجود، والقرآن الكريم نزل كله من أجل الإنسان وإن جميع خطاباته موجهة إلى كل إنسان من دون استثناء، وقد ورد في هذا الكتاب العظيم بيان لحقيقة الإنسان وجوهره وعاداته واستقامته وانحرافه وعدله وجوره وحياته وموته، فمرة يلقى المدح والثناء ومرة يلقى الذم وذلك يعود إلى السلوك الذي هو عليه.
والقرآن الكريم حدّثنا عن الإنسان الجسد والإنسان الروح والعقل والقلب والمشاعر والحواس، ففي بيان الإنسان المادي قال سبحانه في سورة الحج(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا) وفي سورة الطارق(فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ) وفي سورة المؤمنون(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)
وأما حديث القرآن عن الإنسان الروح والنفس والعقل والقلب فهو أكثر من حديثه عن الإنسان الجسد، ففي سورة الإسراء يحدثنا القرآن عن أمر ما زال غامضاً حت الآن وهو سبب تكريم الإنسان وتفضيله على كثير من المخلوقات العاقلة وما زال الخلاف بين العلماء قائماً حول سبب ومنشأ هذا التكريم هل هو الجسد والشكل أم هو الآدمية أم هو العقل ولكل واحد من هذه الإحتمالات وجوه وتشعبات وإشكالات فلقد قال تعالى(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً)
وفي بيان النفس البشرية وبعض خصائصها قال تعالى(وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا)
وقال تعالى(اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)
فالإنسان محط نظر الله فما يلفظ الإنسان من قول وما يخطر بباله أي فكرة وما يصدر عنه أي شيء إلا كان الله به عليماً قبل حدوثه لأنه تعالى أقرب إلينا من حبل الوريد وهو يحول بين المرء وقلبه.



