
قِصةُ وِلادَةِ النبي(ص)
في السابع عشر من شهر ربيع الأول في عام الفيل شعَّ نور رسول الله(ص) الذي كان سبب إدخال نور الإيمان إلى القلوب والعقول، وقد أحسن الذي قال: وُلد الهدى فالكائنات ضياءُ: وخرج إلى هذه الحياة مصطحباً معه الرحمة للعالمين ومكارم الأخلاق وأنوار العِلم والهداية والرشاد.
لقد اختار الله له صلباً مباركاً وبطناً طاهراً، ووُلد في بيتٍ عظيم لطالما كان بيتَ خير للمجتمع، وترعرع في أجواء الأنوار الهاشمية وخصوصاً في حضن جده العظيم عبد المطلب الذي ما زال التاريخ يتغنى بمواقفه المشرّفة.
وكان يهود مكة وغيرهم يترقّبون خروج مولود في ذلك اليوم في بيتٍ من بيوت مكة، حيث رووا ذلك عن كتبهم وأحبارهم فراحوا يتجولون في أزقة مكة يسألون عن المولود الجديد، وكانت نواياهم سيئة حسب ما أورد العديد من المؤرخين لأنهم كانوا عازمين على قتله حتى يكذّبوا كل التنبئات الواردة فيه وأنه سوف يأتي بكتاب غير كتابهم وسوف تتبعه الناس.
لقد أرادوا به كيداً منذ ذلك الحين، ولكنهم عندما علموا بأنه حفيد عبد المطلب خافوا وتراجعوا نظراً لمكانته في قريش وأنه بإمكانه قلب الموازين ضدهم إن هم أقدموا على تلك الحماقة، فأعرضوا عن فكرة أذية النبي(ص) ليس من باب الإنسانية ولا من باب الخشية من الله تعالى، وإنما من باب الحفاظ على وجودهم الذي كان مهدَّداً منذ ذلك الحين، وراحوا ينتظرون الفرصة المناسبة للإنقضاض عليه ولكنه انطبق عليهم قول الله تعالى(وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ) وهي تحكي عن خليل الله إبراهيم(ع) ولكنها تصلح للإنطباق على كل ظرفٍ مشابه.
وُلد هذا النبي العظيم وقد دخلت الفرحة إلى قلب عبد المطلب الذي كان يعدُّ حمل آمنة بالدقائق والثواني، الذي رأى في هذا المولود أحب أولاده إلى قلبه(ولده الحبيب عبد الله) الذي فقده بسبب المرض الذي أفقده الحياة.
ورأى فيه خلاصاً للناس من العبودية لغير الله ومن شريعة الغاب التي كانت تتحكم بالمجتمع العربي آنذاك، ولا ندري كيف علم عبد المطلب بذلك، وإنما وردت عدة إشارات عنه تنبئ عن كونه كان يعلم بشأن هذا المولود المبارك الذي لم تكن علاقته به مقتصرة على علاقة جدٍّ بحفيده اليتيم، وإنما كانت علاقة أعمق من ذلك بكثير، وكان عبد المطلب رضوان الله عليه يصرّح بذلك بين الحين والآخر إما عن طريق القول وإما عن طريق الفعل.
وأوضح تصريح صدر منه عندما كان النبي(ص) وهو طفل يجلس على الكرسي المخصص لعبد المطلب فأراد بعض أولاده إنزال النبي عن الكرسي فأوقفهم عبد المطلب عن فعل ذلك وقال لهم: دعوه، إن لابني هذا لشأناً:
ولم تكن ولادة رسول الله كغيرها، ولم يمر الأمر دون حدوث بعض الإشارات والإنذارات والعلامات الدالة على حدوث أمرٍ عظيم، فقد جاء أنه يوم ولادة رسول الله(ص) تصدّع عرش كسرى الذي شعر بخوف شديد وظنّ بأن زلزالاً ضرب قريتهم، ولما استفسر عن الأمر أُخبر بأن الرعية لم تشعر بشيء، فسأل الرهبان عن الأمر فأخبروه بما عندهم، ولعلهم أشاروا إلى إمكانية ولادة النبي الموعود.
وفي ذلك اليوم ومن دون سابق إنذار انطفأت نار فارس التي دام اشتعالها المستمر لأكثر من ألف سنة متواصلة، وما قيل عند كسرى قيل في فارس.
ولم تكن العبرة فيما حدث يوم ولادته وإنما كانت في كل ما صنعه عبر حياته من قيم ومبادئ وإنسانية وأخلاق وجهاد وتغيير جذري للمجتمع العربي خصوصاً ولهذا العالَم عموماً.
فهنيئاً لنا تلك الولادة المباركة، وهنيئاً لنا أننا اتبعنا الرسول، وهنيئاً لكل امرء يتخلّق بأخلاقه وينتهج نهجه، وصلوات ربنا عليك يا رسول الله يا أعظم خلق الله، ونسأله الله سبحانه أن يرزقنا في الآخرة شفاعته وشفاعة أهل بيته الأطهار.
الشيخ علي فقيه



