قصص وحكايات

ذو القرنين(مسلسل حواري) الحلقة الأولى

ويسألونك عن ذي القرنين

 

مسلسل ذو القرنين

الحلقة(1)

 

الراوي: إنه من الأشخاص الذين ذكرهم القرآن الكريم بشكل مجمل، إنه ذو القرنين الذي جال العالَم بحثاً عن المظلومين لينصرهم بما مكّنه الله سبحانه من أسباب العلم والمعرفة، فجال شرق الأرض وغربَها، ونشر العلم والعدل في كل المجتمعات التي وصل إليها حتى أصبح مضرِباً للمثل في الهمة والعدالة وحب الخير، ورغم ذلك لم يصرّح القرآن الكريم عن تفاصيل الزمن الذي عاش فيه ولا عن نسبه وعمره، بل اكتفى بذكر العمل الصالح الذي قام به ليكون مثلاً أعلى لكل من يأتي بعده.

جندي: أرجوك أيها المساعد، دعنا نسترح قليلاً، إننا نتدرب منذ الصباح الباكر، وقد استبد بنا الجوع والتعب، ما عادت قدماي قادرتين على حمل جسدي، الحر شديد، يكاد رأسي يحترق.

بتار: إنها أوامر القائد ذي القرنين، لا راحة قبل إكمال التدريب، إن تدريبكم هذا صورة عن الحروب التي سوف تخوضونها، فلو أنك تعبتَ في الحرب، فهل ستسمح للعدو بأن ينقض عليك؟ أم انك سوف تقاتله بكل بسالة.

جندي: بالطبع سوف أقاتله حتى النهاية، ولكننا هنا لسنا في ساحة حرب، إنها مجرد ساحة للتدريب.

بتار: إسمع أيها الجندي، إذا لم تكن قادراً على متابعة التدريب فلن تكون في جيش القائد ذي القرنين، وسوف تُحرم من شرف الجهاد في سبيل الله، إن مجاهدة العدو أشد من هذا التدريب، فمن كان عاجزاً عن متابعة التدريب فهو بشكل أولى عاجز عن خوض أية حرب على أرض الواقع.

جندي: أرجوك يا سيدي لا تقل ذلك، أرجوك، سوف أصبر حتى النهاية، ولكن، عِدني بأن لا تخبر القائد بما دار بيننا.

بتار: لا عليك، بارك الله بك، هيا تابع التدريب ولا تتوقف حتى يأمر القائد بالتوقف.

جندي: حاضر أيها المساعد.

بتار: أين القائد يا يافع؟ بحثتُ عنه في المقر ولم أجد له أي أثر.

يافع: إنه يتابع حالات المرضى.

بتار: وما أدراه بتشخيص الأمراض ومداواتها.

يافع: إنه ذو القرنين يا رجل، هل نسيت؟

بتار: يا سبحان الله، إنه يعرف كل شيء، سبحان من منّ عليه بالعلم والمعرفة وأعطاه من كل شيء سبباً.

يافع: صدقني يا بتار، إن بعض المرضى يعانون الألم منذ أسابيع، وقد عجز الأطباء عن تخفيف آلامهم، ولكن القائد ذا القرنين استطاع أن يعالجهم في غضون ساعة واحدة، وخصوصاً هذا الرجل الذي لسعته حية سامة وكاد السم يصل إلى قلبه.

بتار: ما زال على قيد الحياة؟

يافع: أجل، وحالته تتحسن بفضل علاج القائد ذي القرنين بعد أن يئس الأطباء من علاجه.

بتار: ظننا  في الأمس أنه يلفظ أنفاسه الأخيرة، وها هو اليوم يتعافى، ولكن، كيف؟ كيف استطاع أن يُخرج السم من جسده؟

يافع: لقد فعل شيئاً خطيراً للغاية.

بتار: ماذا فعل؟

يافع: أحدث شِقاً في قدم الرجل، وراح يمتص السم ويقذفه من فمه.

بتار: ولكنه أمرٌ خطير على حياته؟

يافع: لم يكن أمامه سوى هذه الطريقة، ولولاها لفقد الرجل حياته.

بتار: سبحان من أعطاه هذا العلم.

يافع: هيا يا بتار، أظنه انتهى من علاج المرضى، هيا ادخل عليه قبل أن يُشغلَه أمرٌ ما.

بتار: سيدي القائد.

القائد: ما الأمر يا بتار؟

بتار: عذراً على المقاطعة.

القائد: لا عليك، لقد أنهيتُ المهمة والحمد لله الذي أعانني على علاجهم، ماذا وراءك يا بتار؟

بتار: لقد تعب الجنود من شدة التدريب، وقد استبد بهِمُ التعب، إنهم لم يتناولوا طعاماً منذ الصباح الباكر، هلّا أمرتَ باستراحة قصيرة؟

القائد: ألم يتناولوا الطعام الذي أمرتُ بإعداده لهم؟

بتار: بلى يا سيدي.

القائد: إن غذاء هذا الطعام يجعلهم يقامون الجوع لأيام، دعهم يتابعون التدريب لا خوفَ على حياتهم.

بتار: ولكن التعب استبد بهم يا سيدي.

القائد: لن أسمح لجندي في جيشي أن يستبد به التعب، وإلا فلن أقبله في الجيش.

بتار: وما العمل إذاً؟

القائد: الأمر ليس بهذه السهولة يا بتار، فهل يأذن لكم العدو بالراحة إذا نشبت الحرب؟ أو هل يسمحون لكم بتناول الطعام والشراب.

بتار: بالطبع لا يا سيدي، أنا أعرف ذلك تماماً، ولكن..

القائد: ولكن ماذا يا بتار؟

بتار: لقد سقط الكثير من الجنود أرضاً من شدة التعب، إنهم عاجزون عن متابعة التدريب، بعضهم ما عاد قادراً على الوقوف، وإن وقف فليس بقادر على حمل السيف أو الرمح.

القائد: هذا يعني أنهم ليسوا مستعدين للجهاد.

بتار: لا أعتقد ذلك أيها القائد.

القائد: إسمعني يا بتار، هل تذكر عندما كنا نتدرب معاً منذ سنوات؟

بتار: وهل يمكن لي أن أنسى تلك الأيام، إنها رغم شدتها ولكنها من أجمل الأيام.

القائد: هل تذكرُ كم من الجنود آنذاك تعبوا من حمل السلاح وأوقفوا التدريب؟

بتار: لقد كان عددهم كبيراً يصعُب إحصاؤه.

القائد: هل تذكر عندما أخبرتني بحالهم ماذا كانجوابي لك؟

بتار: أجل أيها القائد، لقد أمرتَ بطردهم.

القائد: إن رأيي لم يتغير وطريقتي في التدريب بقيت على حالها، تابع تدريب الجنود، ومن يسقط منهم لا أريده في الجيش.

بتار: أمرك أيها القائد.

القائد: بتار.

بتار: خادمك المطيع مرني بما تريد.

القائد: زد في تدريبهم واستعمل نفس الطرق المتبَعة، اجعلهم يتدربون وهم على ظهور الخيول، يجب أن يجتازوا هذا التدريب بنجاح، وإلا فلا فائدة منهم في جيشي، أنظر إلى ذاك الرجل هناك هل تراه.

بتار: أتقصد ذاك الذي يجثو على قدميه؟

القائد: أجل، هل ترى كيف كاد يؤذي نفسه.

بتار: نعم أيها القائد، لقد التحق بالجيش منذ أيام، إنه بالكاد تعلّم كيف يحمل السيف.

القائد: معنى هذا أن عدداً كبيراً من الجنود لم يُحسنوا فنون القتال بعد.

بتار: صحيح أيها القائد.

القائد: إسمع يا بتار، إذا لم يتدربوا خلال يومين فسوف أطردهم من الجيش، إنّ أمامنا رحلةً طويلةً ولن أسمح لتدريب هؤلاء أن يمنعني عن جهادي في سبيل الله، أوضاع المظلومين من الشعوب لا تحتمل التأخير.

بتار: هل من أمرٍ آخر؟

القائد: نعم.. مرهم بعد ذلك أن يتدربوا على الزحف بين النيران الملتهبة، وأن يصعدوا إلى قمة هذا الجبل، وهم يحملون كامل أسلحتهم.

بتار: ولكن هذا شاقٌ عليهم يا سيدي، ما الفائدة من هذا التدريب وكل الأماكن التي زرناها كانت سهولاً وصحارى.

القائد: ستعرف السبب عما قريب، دعهم يستريحون قليلاً ثم تابعوا التدريب، إن العدو لا يعطينا فرصة الإنتظار.

بتار: أمرك أيها القائد.. أيها الجندي.

الجندي: حاضر سيدي.

بتار: إن طريقة حملك للسيف لا تُنبئ عن كونك مقاتلاً، يجب أن تتعلم فنون القتال في غضون يومين وإلا فسأفصلك من الجيش.

الجندي: أمرك سيدي، لن ترى مني إلا ما يرضيك.

بتار: هيا، تابع التدريب., وأنت، صوّب على تلك الشجرة برمحك.

الثاني: حاضر سيدي.

بتار: ما كان هذا؟ ماذا أرى؟ كيف ينثني الرمح بهذه الطريقة، هناك مشكلة ما يجب أن يعرفها القائد.

القائد: ما الأمر يا بتار؟

بتار: أنظر إلى هذا الرمح.

القائد: ما الذي جعله ينثني بهذه الطريقة؟

بتار: لعل ضربة الرامي كانت قوية، لاحظت أنّ ساعده قوي على غير العادة.

القائد: أو لعل المعدن كان هشاً.

بتار: ربما يا سيدي، ولكن ما العمل؟

القائد: فليرمي الرمح شخص غيره، فإذا انثنى الرمح كانت المشكلة في المعدن، وإن أصاب الهدف دون أن يتأذى كانت المشكلة في الرامي، أحضر رمحين من مادتين مختلفتين ومر جنديين بتبديل الرمحين وعندها نعرف جوهر المشكلة.

بتار: كان ظنك في محله أيها القائد، المشكلة سببها المعدن، أحد الرمحين انثنى، والآخر بقي صُلباً.

القائد: مرهم أن يصنعوا الرماح من هذه المادة الصلبة.

بتار: ولكن هذه المادة قليلة في هذه الأرض.

القائد: أرسل ألف جندي إلى مختلف الأماكن ومرهم أن يُحضروا ما استطاعوا من هذه المادة، هيا يا بتار، لقد ضاق الوقت كثيراً، يجبُ أن يُحضروا المعدن في غضون أسبوعين، هيا مرهم بالتحرك في الحال.

الراوي: ذهب الجنود باحثين عن تلك المادة التي أمر ذو القرنين بإحضارها، وقد اجتهدوا في البحث عنها ورجعوا محمَّلين بما يكفي لصنع رماح تكفي جميع الرماة في الجيش.

بتار: سيدي ذا القرنين، لقد عاد الجنود ومعهم ما يلزمنا من المعدن لصناعة آلاف الرماح.

القائد: الحمد لله، مرهم أن يباشروا بصنع الرماح من هذه اللحظة، سوف نذهب في رحلة طويلة ربما تستغرق أشهراً كثيراً.

بتار: رحلة مرةً أخرى؟

القائد: نعم.

بتار: ألا يكفينا ما قمنا به من أسفار، إننا لم نترك أرضاً إلا وزرناها.

القائد: لا يا بتار، هناك العديد من المناطق النائية لم نصل إليها بعد، وقد عاهدتُ ربي أن لا أترك مظلوماً على وجه الأرض دون أن أمد له يد العون.

بتار: سدد الله خطاك للجهاد في سبيله.

القائد: وأنتم شركائي في هذا الجهاد.

بتار: إنه لشرفٌ كبير لي أن أكون فرداً من أفراد جيشك.

القائد: أحسنت أيها المجاهد في سبيل الله.

 

الشيخ علي الفقيه

قال سبحانه( واذكر ربك حتى يأتيك اليقين) إن ذكر الله عز وجل لا ينحصر بجارحة اللسان بل يجب أن ينبع من صميم القلب وتترجمه الطاعة الصادقة التي تتحقق بفعل الواجب والمستحب وبترك كافة المحرمات جعلنا الله واياكم من الذاكرين العابدين الصادقين الشيخ علي فقيه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى