قِصَّةُ سُجُوْدِ الكَوَاكِبِ فيْ مَنَام يُوسُف

قِصَّةُ سُجُوْدِ الكَوَاكِبِ فيْ مَنَام يُوسُف
(إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ)
لا بُدَّ لهذه الرؤيا النبوية أن تتحقق، ولم يكن يعلم زمن تحقّها إلا الله عز وجل، فقد أراد ربُّ العالمين أن يرفع شأن عبدِه يوسف(ع) الذي ظلمه أخوته، ويمنَّ على أهل مصرَ بحاكمٍ عادل يتعاطى مع الجميع بطريقة واحدة دون أن يفرّق بين رفيع أو وضيع أو عبدٍ أو سيّد، فهيّأ الله سبحانه له الظروف المناسبة وسبّب له الأسباب حتى يصل إلى تلك البقعة من الأرض ويعتلي عرش مصر فيما يأتي من الزمن وينشر الدين والخير والعدل بين الناس.
ففي صبيحة بعض الأيام استيقظ يوسف(ع) على رؤيا غريبةٍ قصّها على أبيه نبي الله يعقوب(ع) الذي شعر بالخطر على يوسف منذ ذلك الحين، فأمره أن يخفيَ رؤياه عن أخوته حيث كان يعلم بتأويلها ويعرف مدى حقد أبنائه على أخيهم يوسف، وأنهم ينتظرون الفرصة السانحة للإنقضاض عليه، وكانت تلك الرؤيا بداية قصة طويلة ورحلة استغرقت عقوداً من الزمن، وقد ذكرها الله عز وجل من البداية حتى النهاية في سورة قرآنية كاملة.
وهنا نضع الإصبع على جزء صغير من تلك القصة النبوية الرائعة، وهذا الجزء بحد ذاته يصلُح أن يكون قصة متكاملة يستفيد منها الناس عبر الزمن.
وبطريقةٍ ما عَلِم أخوة يوسف بتلك الرؤيا فحقدوا عليه أكثر وتآمروا على إبعاده عن أبيه حتى يكسبوا اهتمام أبيهم دونه(اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ)
فاتفقوا أن يقتلوه فاعترض عليهم أحدهم، فاستطاع أن يمنعهم من قَتله، فأجمعوا أمرهم على إلقائه في بئرٍ بعيدة بعد أن ضربوه وعذّبوه دون أي ذنبٍ ارتكبه، ورجعوا إلى أبيهم مساءَ ذلك اليوم يتباكَون مدّعين بأنّ الذئب قد أكله(وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ)
وبتسديد الله لعبده يوسف استخرجه بعض المارّة من البئر واصطحبوه معهم إلى مصر وباعوه بثمن زهيد(وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) فتعاملوا معه على أنه سلعة رخيصة، فوصل بتوفيق من الله إلى قصر عزيز مصر وحدث معه ما قد تعرفون إلى أن منّ الله عليه بالمُلك فاستلم مكان عزيز مصر وقد تعامل مع الناس بالعدل والمساواة، وبفضله أُنقذ الناس من مجاعة محتمة كانت سوف تقتلهم جميعاً لولا حكمة يوسف(وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)
سمع أخوة يوسف بكرم هذا العزيز وهم لا يعرفون بأنه أخوهم فذهبوا إليه واستعطوه فأعطاهم بسخاء(وَجَاء إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ)
وبعد أحداث كثيرة تعرّفوا عليه فأمرهم بالرجوع إلى الوطن واصطحاب أبويه إلى مصر ففعلوا ذلك.
فجاءه أبوه نبي الله يعقوب بعد أن ردّ الله عليه بصره الذي فقده من قبلُ حزناً على فراق يوسف ووصل إلى مصر والتقى بابنه الحبيب الذي أصعد أبويه على العرش ورحّب بهما أعظم ترحيب.
أما أخوته فعندما رأوا من حسن أخلاقه ما رأوه ندموا على تلك الفعلة الشنعاء وتابوا إلى الله وسجدوا لله شكراً أمام عرش أخيهم.
ولما نظر يوسف إليهم وهم ساجدون نظر إلى أبيع يعقوب(ع) وأخبره بأن هذا السجود هو تأويل الرؤيا التي رآها من قبلُ، فحمدوا الله وشكروه على نعمه وعاشوا بقية حياتهم في ظل عدالة أخيهم النبي يوسف(ع).
(وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)



