دروس في الوعظ والإرشاد الدرس الثاني

الدرس الثاني
المَوْعِظَةُ أَمَانٌ لِلْمُتَّعِظ
خصّصتُ المتعظ بالأمان لورود النص في خصوصه دون الواعظ، فإذا لم يكن الواعظ متعظاً فلا ينتفع بما يعظ إطلاقاً، وقد ورد في الحديث:مَن كان له من نفسه واعظ، كان عليه من الله حافظ:
والسبب فيه أنّ المتعظ لا يتهور في أفعاله وأقواله وحركاته وسكناته، بل يدقق ويتأمل ويراقب قبل كل شيء فإن كان في فعل الشيء منفعة قام به، وإلا تخلى عنه، ولا أعني بهذا التأمل أن يتأمل المرء في أمور دنياه فقط إذ ليست العبرة الأساسية في ذلك، وإنما أعني النظر والتأمل في الأمور الأخروية، لأن المتعظ يحفظ نفسه من مهالك الدنيا والآخرة، والآخرة في نظره أَوْلى.
والإنسان الذي يعتبر بالموعظة هو إنسان مؤيَّدٌ من قِبَل ربه سبحانه، فقد قال أمير المؤمنين علي(ع):إذا أحبَّ اللهُ عبداً وَعَظَه بالعِبَر:
أَثَرُ المَوْعِظَةِ عَلَى سُلُوْكِ الإِنْسَان
من خلال القليل الذي ذكرناه حول الموعظة والوعظ والإتعاظ تظهر لنا حقيقة الموعظة ودورها في تصحيح السلوك، وتحريك المشاعر الفطرية السليمة، وتمكين الصلة وتثبيت الثقة بين الخالق والمخلوق، وندرك من خلال ما ظهر لنا حولها مدى أهميتها في مرحلة التبليغ والدعوة إلى عبادة الله عز وجل.
فالموعظة تحرّك المشاعر الإيمانية داخل الإنسان، وتوقظه من غفلته القاتلة، وتنبّهه من نومه العميق وسباته الذي طالت مدته.
وبما أن القرآن الكريم قد اعتنى بالموعظة عناية خاصة فإن هذا لوحده يكفي لبيان كونها ذات أثر كبير على سلوك الإنسان، وبالتالي فإن لهذا السلوك في الدنيا أثراً على النتيجة في يوم الحساب، فإن الموعظة تحث الإنسان على العمل الصالح، والعمل الصالح هو الوسيلة الوحيدة للنجاة في يوم القيامة، فلا نجاة من غير عمل لأن هذا هو سنة الوجود، وقد دعانا رب العالمين في الكثير من نصوص كتابه المجيد إلى الإهتمام بالعمل لأنه الوسيلة الوحيدة للفوز بالنعيم.
فإذا لم تنشأ من الموعظة حركة فعلية، وإذا لم تُصحَّح النية في العمل بدافع منها، فلا تكون قد أثّرت أثرها ولا آتت أكلها بسبب وجود خلل في الواعظ والمتعظ، وليس فيها، لأن الموعظة لا يدخلها الخلل وإن صدرت نتيجة احتكاك حجرين، فلا عبرة في الكلام، ولا عبرة للأسلوب بقدر ما هي في قَبولها واستخدامها كما يجب، فإذا لم تؤثّر فيك مواعظ البشر فارجع إلى مواعظ الله تعالى أو مواعظ أهل العصمة فإنها أكثر من أن تُحصر، وهذه الكثرة تعني إتمام الحجة عليك، فلا يبقى لك أي عذر بعد ذلك تجاه التقصير، لأنك سوف تكون أنت المسؤول الأول عنه، وليس الموعظة أو الدين بشكل عام.



