مَفَاهِيْمُ الْصيَامِ

مَفَاهيمُ الصيَام

نصائحُ رمضانية هامة

 

 

نصائح رمضانية

(1)

في شهر رمضان شهر الرحمة والغفران ينبغي على كل مسلم عام ومسلم صائم خاص أن يكون بمستوى التكليف الإلهي الخاص بفريضة الصيام التي امتازت بماهيتها وزمن وجوبها وآثارها الجمة على الروح والجسد وبالتالي على المجتمع والأمة في دار الدنيا، والتي تميزت بآثارها الطيبة وعواقبها الحسنة على مستوى الآخرة، وأهم آثارها في يوم الحساب ما ورد على لسان النبي الأعظم(ص):إن للجنة باباً يدعى الريان لا يدخل منه إلا الصائمون.

إن هذه الأهمية المعطاة للصوم وهذا التكريم للصائمين يُظهر لنا مستوى هذه العبادة ويكشف لنا عن السر الذي جعل الله سبحانه يجعل منها عبادة لنفسه دون سائر العبادات الأخرى حيث جاء في الحديث القدسي:كل عمل ابن آدم هو له غير الصيام فهو لي وأنا أجزي به.

 

نصائح رمضانية

(2)

 

شهر رمضان محطة عبادية وفرصة ذهبية للتوبة والأوبة وإصلاح العمل، وهو مصدر خير للبشرية بكل ما للكلمة من معنى.

ماذا يريد الإنسان المؤمن أكثر مما جعل الله سبحانه في هذا الشهر الكريم من أنواع الخير وألوان البركة، وأي شهر يضاهي هذا الشهر الذي كان النوم فيه عبادة والصمت تسبيحاً والأجر مضاعفاً والعمل مباركاً، وهذه حقيقة ثابتة قد أشار إليها خاتم الأنبياء(ص) عندما قال:هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله وجُعلتم فيه من أهل كرامة الله أنفاسكم فيه تسبيح ونومكم فيه عبادة وعملكم فيه مقبول ودعاؤكم فيه مستجاب.

وإذا كان واقع شهر رمضان بهذا الشكل فلا ينبغي للعاقل أن يفوّت هذه الفرصة على نفسه إذ قد يأتي شهر رمضان من قابل ونحن رهائن القبور.

 

 

نصائح رمضانية

(3)

 

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ

لو علم الإنسان ما تشتمل عليه هذه الآية من تكريم للصائم لجعل نفسه أسيراً لهذا الشهر الذي وُصف بالدعاء:وهذا شهر عظمته وكرمته وشرفته وفضلته على الشهور:

فلقد كرمنا رب العالمين نحن أمة خاتم النبيين حين كتب علينا ما كتب على الأنبياء من قبلنا وعاملنا معاملة أنبيائه ورسله فلم نحفظ التكريم ولم نكن بمستوى المسؤولية حين واجهنا تكريمه لنا بعمل الشياطين فلم نطع ولم نسمع ولم نتق ولم نخشع ونبذنا ما فيه صلاحنا وفلاحنا وخلاصنا من النار وكنا كمن وصفهم الله بقوله(مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا)

ولم يقف الحد عند البعض هنا وإنما راحوا يتجاهرون بالإفطار العمدي في الأماكن العامة والخاصة مستهزئين بحرمات الله عز وجل وبقدسية هذا الشهر الذي جعله خالقه ظرفاً زمنياً لنزول الكتاب المنير حيث قال سبحانه(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)

 

 

نصائح رمضانية

(4)

 

إن ما يخشاه المؤمنون في هذا الشهر العظيم هو سوء التصرف مع هذا الزمن الذي كان من خواص الأزمنة لدى الله عز وجل، لأن سوء الفهم يخدش هذا الهيكل الجميل ويشوه هذه الصورة الرائعة.

أيها المؤمنون والمؤمنات..يوجد في الصوم جوع وعطش وبعض القيود، والخطر في ذلك هو أن لا يرجع علينا من جوعنا وعطشنا سوى الجوع والعطش فنكونَ مصداقاً لقول الإمام الصادق(ع): كم من صائم ليس له من صيامه سوى الجوع والعطش.

كثير من الناس يصومون ولا يسألون أنفسهم لماذا يصومون ولمن يصومون، فليس الصوم امتناعاً عن المفطرات الشرعية بل صوم عن المآثم والمحارم لقول الإمام علي(ع): صوم الفكر عن الآثام افضل من صوم البطن عن الطعام.

فلكي يكون الصوم صحيحاً والعمل مقبولاً وجب أن تصوم العين والأذن والقلب وجميع الجوارح والمشاعر وإلا كان صومنا كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءاً.

 

نصائح رمضانية

(5)

إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ

وقد جاء في الحديث إن لله خواصاً في الأزمنة والأمكنة والأشخاص:

وإن شهر رمضان شهر الله تعالى، وكذا كل شهر، ولكن معنى كونه لله هو أن العمل فيه لله، وهذا ما أعطى فريضة الصيام تلك الميزة، فالمصلي يصلي لنفسه، والحاج يحج لنفسه، أما الصائم فإنه يصوم لربه إذا وقع قربة منه إلى الله عز وجل.

ولن يكون الصوم لرب العالمين إلا إذا خلا من الشوائب التي تمنع نزول الرحمة وتحول بيننا وبين البركة.

إن شهر رمضان شهر الخير والبركة فلا تجعلوه عليكم شهر شقاء وهلكة، وفيه تُغلق أبواب النيران فلا تفتحوها بالعصيان فإن الشقي من حُرم غفران الله في هذا الشهر العظيم.

 

نصائح رمضانية

(6)

عجيب لمن يكره الخير لنفسه، وعجيب لم يرفض رحمة ربه، فيا خسران من كان دخول شهر رمضان عليه كخروجه منه، بعض الناس يستقبلون شهر رمضان بالفرحة، ويودعونه باللوعة، وبعضهم يعكسون المعادلة فيصوم على كره ونفور غافلاً عن ثواب الصيام وآثاره الطيبة في الدنيا والآخرة، فلا يستفيد من هذه الفريضة سوى أنه يُسقط تكليفاً وليس هذا ما يهدف إليه المؤمن بربه الذي يرجو ثوابه ويخشى عقابه.

إن شهر رمضان بستان جميل وواسع ومتنوع الثمار وما على العاقل سوى أن يقطف من كل شجرة ثمرة على الأقل كيلا يخرج من تلك الجنة خاوي اليدين وخالي الجعبة.

إن ثمار شهر الله هي الرصيد ليوم الفقر والفاقة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، شهر هو عند الله أفضل الشهور، أيامه أفضل الأيام، وليليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات.

 

نصائح رمضانية

(7)

 

إن شهر رمضان المبارك هبة إلهية ونعمة دائمة لمن أدرك معناها وقضاها بعمل الخير والعبادة من صيام وقيام وتلاوة للقرآن لأن العمل فيه مقبول والأجر مضاعف وقليلٌ فيه كثير بالنظر إلى العمل في غيره، فركعتان في شهر رمضان يحملان من الثواب ما تحمله ركعات في غيره من الشهور، وآية يتلوها فيه بخشوع وتفكر تعادل تلاوة القرآن كله في غيره، وهذا ما أشار إليه سيد المرسلين محمد(ص) بقوله: ومن تطوع فيه بصلاة كتب له برأة من النار ومن أدى فيه فرضا كان له ثواب من أدى سبعين فريضة فيما سواه من الشهور ومن اكثر فيه من صلاة علي ثقل الله ميزانه يوم تخفف الموازين ومن تلا فيه آية من القرآن كان له مثل اجر من ختم القرآن في غيره من الشهور:

وفي بيان بركة هذا الشهر وفضله قال الله سبحانه(ليلة القدر خير من ألف شهر) وقد جاء في الدعاء: وجعلت فيه ليلة القدر وجعلتها خيرا من ألف شهر.

 

نصائح رمضانية

(8)

 

لا ينبغي على الصائم أن يسمح لنفسه بالتوجه نحو ألم الجوع والعطش مهما كانا مؤلمين ومزعجين، بل لا بد من تحريك قوى الخير إزاء هذا الشعور وذلك عن طريق استثمار الجوع والعطش في اكتساب الموعظة وأخذ العبرة، وإنه وإن كان فيها فوائد صحية فإن لهما آثار كريمة في يوم القيامة أيضاً، فكلما اشتعلت نار الظمأ في جسدك عليك أن تطفئها بذكر عطش يوم القيامة ذلك اليوم الذي كان مقداره خمسين ألف سنة نظراً لصعوبته وكثرة أحداثه، ولهذا نصحنا خاتم الأنبياء(ص) بنصيحة إيمانية حيال هذا الموقف عندما قال: واذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه: وكذا ينبغي استثمار هذا الشعور في تحريك المشاعر الإنسانية والإجتماعية لنشعر بجوع الجائع فنطعمه، ولهذا قال(ص): وتصدقوا على فقرائكم ومساكينكم:

 

نصائح رمضانية

(9)

 

في شهر الخير والبركة والعتق من النار ينبغي على كل مؤمن ومؤمنة أن يحسّنوا أخلاقهم ويترجموا مضمون القرآن على أنفسهم فيما بينهم وبين ربهم وفيما بينهم وبين الآخرين ولا نعني حصر الحسنى في هذا الشهر بل نعني أن يكون هذا الشهر العظيم منطلقاً للحسنى في جميع لحظات أعمارنا، ففي هذا الشهر ينبغي أن يرحم بعضنا بعضاً وأن يعين قوينا ضعيفنا وغنينا فقيرنا وأن يرشد عالمنا جاهلنا ويرحم كبيرنا صغيرنا ويوقر صغارنا كبارنا عملاً بوصية رسول الله لنا حيث يقول: وتصدقوا على فقرائكم ومساكينكم ووقروا كباركم وارحموا صغاركم وصلوا أرحامكم واحفظوا ألسنتكم وغضوا عما لا يحل النظر إليه ابصاركم وعما لا يحل الاستماع إليه اسماعكم وتحننوا على أيتام الناس يتحنن على أيتامكم:

 

نصائح رمضانية

(10)

 

الصوم صومان، صوم للجسد وصوم للروح، وما صوم الجسد سوى مقدمة لصوم الروح والجوارح، وصوم الجسد ساعاتٌ من نهار في أيام معدودات، أما صوم القلب فينبغي أن يبدأ من لحظة التكليف ويستمر إلى آخر رمق لنا في الحياة.

إن صوم الجوارح سنة، وصوم البطن شهر من السنة، ولا بد من تحقيقهما معاً، فلا يكون صوم الروح صوماً إلا إذا التزم الإنسان بالكف عن المفطرات الشرعية في أيام الصيام، ولا خير في الكف عن الطعام والشراب دون الكف عن المحرمات صغيرها وكبيرها.

إن صوم البطن طاعة من الطاعات، ولكن صوم الروح هو جميع الطاعات وهو أدق وأعمق من الصوم الشرعي المعلوم، فإذا صمتم فليصم سمعكم وبصركم وألسنتكم وجميع جوارحكم.

 

نصائح رمضانية

(11)

إذ وسوس لك الشيطان الرجيم وأنت صائم فقل اللهم إني صائم، وإذا أعاد عليك فأعد عليه، ولا تسمح لنفسك بالملل ولا تُشعرها بالضعف أمام سطوات الشيطان الغوي، يجب على كل مؤمن أن يتغلب على الشيطان عن طريق الحذر منه والتعاطي معه بالأسلوب الذي أمر الله تعالى به وبوضع الكلام القرآني الخاص بهذا المجال أمام أعيننا دائماً، فإذا وسوس لك اللعين فقل(وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ  وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ) واجعل صومك الحقيقي سلاحاً في وجوه الشر ومقارعة الهوى وضبط النفس الأمارة بالسوء لتجعل منها في شهر رمضان نفساً زكية ولوامة ومطمئنة حتى تصبح نفسك مصداقاً لقوله سبحانه(يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ  ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً  فَادْخُلِي فِي عِبَادِي  وَادْخُلِي جَنَّتِي)

 

نصائح رمضانية

(12)

 

في شهر الرحمة والمغفرة ينبغي أن يكون السلوك ملائكياً والعمل رحمانياً والنفس زكية فلقد أفلح من زكاها وخاب من دساها، ولا تكونوا كالذين يحسنون في شهر رمضان ويسيؤون في غيره، أو كالذين يسيؤون في شهر رمضان فضلاً عن الإساءة في غيره فهؤلاء هم أشقى الأشقياء وإن حازوا على هويات إسلامية فإن الإسلام لا يتحقق بالهوية والإنتماء بل بالعمل بعد الإيمان.

أيها الناس إن الحياة قصيرة وإن طالت فما قيمة حياة تنتهي بالموت، وما نفع صحة مهددة بالمرض، وما قيمة غنى لا يدفع عن صاحبه مكروهاً ولا يشفي له مرضاً، فلو كانت الحياة دار قرار لصلحت لسليمان قبل غيره وقد وصفه علي(ع) بقوله: فَلَوْ أَنَّ أَحَداً يَجِدُ إلَى الْبَقَاءِ سُلَّماً، أَوْ لِدَفْعِ الْمَوْتِ سَبِيلاً، لَكَانَ ذلِكَ سُلَيْمانُ بْنُ دَاوُد َعَلَيْهِ السَّلامُ، الَّذِي سُخِّرَ لَهُ مُلْكُ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، مَعَ النُّبُوَّهِ وَعَظِيمِ الزُّلْفَةِ، فَلَمَّا اسْتَوْفَى طُعْمَتَهُ، وَاسْتَكْمَلَ مُدَّتَهُ، رَمَتْهُ قِسِيُّ الْفَنَاءِ بِنِبَالِ المَوْتِ، وَأَصْبَحَتِ الدِّيَارُ مِنْهُ خَالِيَةً، َالْمَسَاكِنُ مُعَطَّلَةً، وَرِثَهَا قَوْمٌ آخَرُونَ:

 

نصائح رمضانية

(13)

 

شاءت حكمة رب العالمين أن يكون امتحان الخلق مخالفاً لأهوائهم ومغايراً لرغباتهم، وإلا فما كان امتحاناً ولما ترتب عليه الثواب والعقاب، بل لكانت الحياة لغواً من أساسها، وشاءت حكمة الله عز وجل أن يكون التكليف بمستوى القدرة فلم يكلفنا ما لا طاقة لنا به ولم يفرض علينا ما هو خارج عن إرادتنا وفيه قال سبحانه(لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) وقال تعالى(إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا)

ولا يوجد في الصوم ظلم وإن كان فيه نوع من المشقة لأن المشقة هي مقتضى الصوم، فإن عجز الإنسان عن الصوم لمرض مانع سقط الصوم عنه وهذا هو عين العدالة وعين الرحمة الواسعة، فجوع قليل في وقت قصير يعقبه سبع لا جوع بعده، وعطش قليل في أيام الحر بعده يشرب المرء من كأس لا يظمأ بعدها أبداً، فمن ظمأ لله في الدنيا سقاه الله من الرحيق المختوم في الآخرة التي لا يقاس ظمؤها بظمأ الدنيا لشدته، ولهذا قال(ص):واذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه.

 

نصائح رمضانية

(14)

 

منذ عدة قرون ظهر في بلاد المسلمين عادات في شهر الصيام، منها ما انسجم مع واقع الشهر الكريم، ومنها ما لم يتفق معه، فالعادات التي اسجمت مع قوانينه ولم تخالف أحكامه كانت عادات طيبة أعطت لهذا الشهر نكهة خاصة وأضفت عليه لوناً جميلاً، أبرزها تلك اللقاءات العائلية والروابط الأسرية التي تترجم مفهوم صلة الأرحام التي أكد عليها الإسلام وخصوصاً في شهر رمضان الذي قال النبي في حديثه عنه: ووقروا كباركم وارحموا صغاركم وصلوا أرحامكم: إلى قوله(ص): ومن وصل فيه رحمه وصله الله برحمته يوم يلقاه ومن قطع رحمه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه:

فمن تكبر على حكم ربه فقد أطاع الشيطان، وطاعة الشيطان رأس العصيان، وخصوصاً في شهر رمضان الذي يجب على الإنسان أن يكون سلوكه فيه نبوياً وملائكياً وإلا كان ممن حُرم غفران الله في هذا الشهر العظيم.

 

نصائح رمضانية

(15)

 

أيام شهر الله أفضل الأيام وكذا لياليه وجميع لحظاته، وهذا ينبئ عن قدسية هذا الشهر العظيم، ولذا ينبغي أن يكون العمل فيه منسجماً مع قدسيته، فأيامه أيام عبادة ولياليه ليالي قيام وتهجد وخشوع، ولكن بعض التجار الفجار استدرجوا الكثير من الناس عبر طرق شيطانية إلى ما أسموه حديثاً الخيم الرمضانية وهي في الحقيقة خيم لهوية عبثية شيطانية لأن المكان الذي يُعصى فيه الإله لا يتصل مع أي زمن مقدس بوجه من الوجوه حتى لو كان شكل المكان شكل مسجد، فهؤلاء ينظرون إلى شهر رمضان على أنه موسم للربح من دون ملاحظة شرعية المكسب وعدمها فهم يأتون بالمطربين والمطربات ويستضيفون الراقصات وهذا ما لا يجوز الإستهتار به من قبلنا ولا ما يجوز السكوت عنه لأنه ينزل بشأن هذا الشهر إلى مستويات لا تليق بشأنه، فكما يحرم دخول تلك الأماكن كذلك يحرم السكوت عما يحدث فيها، وهذا يقع على عاتق كل مسلم ومسلمة لأن الجميع مسؤولون عند الله تبارك وتعالى عن أحكام الشرع الحنيف.

 

نصائح رمضانية

(16)

 

شهر رمضان المبارك جوهرة الزمن النادرة والتي لا تُقاس ولا تُكال ولا توزن، فلو كان شهر رمضان مجسماً لوُضع في أفخم متاحف العالَم ولأتى الناس من مختلف بقاع الأرض للنظر إلى صورته الجميلة وشكله الرائع.

فلا يكفي في شهر الله الأعظم أن نصوم عن المفطرات من الفجر إلى الليل، ولا ينبغي أن تمر أيامه كما تتصرم الأيام العادية في غيره من شهور السنة، فهو شهر الخير في جميع المجالات وشهر البركة في كل الإتجاهات، ولهذا وجب استغلال حلوله بما يحسّن عاقبتنا في يوم الحساب وبما يجعلنا عند الله تعالى من أهل كرامته، فينبغي استغلال خيره وانتهال بركته وانتهاز فرصته لنرتقي به إلى الدرجات العالية في الجنان الواسعة مع النبيين والأوصياء والشهداء والصلحاء.

 

نصائح رمضانية

(17)

 

العاقل هو من يختار الأفضل ويسعى لكسب الأنفع ويهدف إلى بلوغ الأرفع، ومن نعم الله تعالى على خلقه أنه سهّل لهم عملية الإرتقاء بالروح إلى أعلى المستويات القدسية وأرفع الدرجات الروحية وذلك عندما تدنت إلينا أغصان الشجرة الرمضانية وتدلت علينا ثماره فهو زمن يشبه ببركاته الزمن في جنان الله في ظل الرحمة والنعيم، ولهذا استحق أن يكون شهر صيام وقيام وشهر تهجد وخشوع وسجود وركوع، وما على العاقل الساعي ليرحم نفسه إلا أن ينهل من معينه الفياض بالبركة والرحمة والمغفرة لينال بذلك رضوان ربه الذي كان أعظم من جنانه، ويجنّب نفسه غضب الله الذي هو أكبر من عذابه.

 

نصائح رمضانية

(18)

 

امتاز شهر الله بمناسباته الهامة ومحطاته الكبرى، ففيه نزلت كتب السماء، التوراة في أوله والإنجيل في وسطه والقرآن في أواخره وتحديداً في أعظم لياليه، ولهذا كان شهر القرآن على مستوى التلاوة والتطبيق، وهو شهر البركة بذاته وبما حدث فيه، وأعظم ما حدث فيه هو نزول القرآن الكريم الذي جعله الله تعالى تعريفاً لشهره المبارك حيث قال(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)

وفيه من الآداب والأعمال العبادية ما يعجز اللسان عن عده، منها ما اختص في نهاره ومنها ما اختص بلياليه وكلها أعمل عظيمة وآداب كريمة توصل إلى الرضوان وتُكسب السعادة.

 

نصائح رمضانية

(19)

 

إن من الصفات التي أراد الله لعباده أن يتزينوا بها حسن الخلق الذي كان من علامات أهل الإيمان ومن أبرز ما مدح الله به خاتم أنبيائه حيث قال(وإنك لعلى خلق عظيم) وما بعث الله الأنبياء إلا ليتمموا مكارم الأخلاق، وشهر رمضان شهر الرياضة الروحية والتمرين على كل جميل ولهذا خص رسول الله حسن الخلق في خطبة استقبال شهر رمضان عندما قال: ايها الناس من حسن منكم في هذا الشهر خلقه كان له جوازا على الصراط يوم تزل فيه الاقدام:

وقال علي(ع) لِإِبنه الحسن عليه السلام: يَا بُنَيَّ، احْفَظْ عَنِّي أَرْبَعاً وَأَرْبَعاً، لاَ يَضُرَّكَ مَا عَمِلْتَ مَعَهُنَّ: إِنَّ أَغْنَى الْغِنَىُ الْعَقْلُ، وَأَكْبَرَ الْفَقْرِ الْحُمْقُ، وَأَوحَشَ الْوَحْشَةِ الْعُجْبُ، وَأَكْرَمَ الْحَسَب حُسْنُ الْخُلُقِ:

 

نصائح رمضانية

(20)

الصدقة تدفع البلاء ولو أبرم إبراماً وتطفئ غضب الرب، ولها آثار كريمة في الدنيا قبل الآخرة، وقد أشار سبحانه إلى كثرة الخير من وراء الصدقة عندما قال(مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) وإذا كان حال الصدقة في الأيام العادية هكذا فإن حالها في شهر رمضان أعظم وآثارها فيه أكرم، ولذا حثنا رسول الله(ص) على القيام بهذا العمل الإنساني الإجتماعي الإيماني حيث قال: وتصدقوا على فقرائكم ومساكينكم:

الشيخ علي فقيه

الشيخ علي الفقيه

قال سبحانه( واذكر ربك حتى يأتيك اليقين) إن ذكر الله عز وجل لا ينحصر بجارحة اللسان بل يجب أن ينبع من صميم القلب وتترجمه الطاعة الصادقة التي تتحقق بفعل الواجب والمستحب وبترك كافة المحرمات جعلنا الله واياكم من الذاكرين العابدين الصادقين الشيخ علي فقيه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى