أُخْلاقُ المُسْلِم

الجهل والجاهل

الجهل والجاهل

 

 

الجهل والجاهل

 

إذا كان العلم باب الرحمة والسعادة للإنسان فإن الجهل باب كل شر يلقاه في حياته لأنه أساس كل بلية يصاب بها الفرد أو الأمة لأن الجاهل لا يُحسن التصرف ولا يدرس الأمور بدقة ولا يقدّر العواقب ولا يحسب حساباً للنتائج فهو مرض خطير ووباء قاتل يشبّهه الإمام علي بأنه أضر على الإنسان من الأمراض الفتاكة فيقول: الجهل في الإنسان أضر من الآكلة في البدن:

والجهل عدو خطير يتمركز بداخل الإنسان ليوقعه في المتاعب والمهالك والأضر منه هو الإنسان الجاهل الذي يحسب نفسه من أهل العلم والمعرفة فهو صاحب الجهل المركّب كما يعبّر عنه المناطقة لأنه جاهل في الواقع وجاهل بأنه جاهل، ومثله الذين يعلمون بجهلهم ولكنهم يدّعون المعرفة فهؤلاء وباء على العلم وأهله لأنهم سوف يقولون بما لا يعلمون ويُفتون بما لم يُنزل الله به حكماً ولا سلطاناً، والأخطر من ذلك كله هو أن يصدّق الناس الجاهل فيأخذون من جهله وهم يحسبون أنهم يتعلمون العلم، كما يحصل في زماننا الحاضر فإن كل شخص يدّعي العلم لنفسه من أجل أن يحصل على مآرب له دنيوية فيسير الناس خلفه فيُرشدهم نحو الضلال، وهم ليسوا معذورين لأنه لا ينبغي أن يستسلموا لأي كان إلا بعد الفحص والسؤال والتدقيق فلا يجوز اتباع الإنسان لمجرد أنه ادعى العلم من دون أن نكشف الواقع بالطرق الموضوعة لهذا الشأن والمسنونة في الشريعة السمحاء، والجدير في الأمر هنا هو أن الناس لجؤوا إلى أهل الجهل للإستفسار عن بعض من يشكون في جهلهم، ومن الطبيعي أن لا يأخذوا الدواء الشافي ولا الجواب الوافي من الجاهل على قاعدة فاقد الشيء لا يعطيه.

ولهذا وردت مجموعة كبيرة من الأحاديث المحذرة من الجهل والجهلاء والحاثة على عدم الإستهتار بالأمر الذي قد نخسر به الدنيا والآخرة في آن واحد، وإليكم بعضَ الأحاديث الواردة لهذا الغرض نذكر لكم مجملها، الجهل داءٌ وعَياء، والجهل أدوأ الداء، والجهل مطية شَموس من ركبها زَلّ ومن صحِبها ضَلّ، والجهل يُزلُّ القدم، والجهل مُميت الأحياء ومُخَلِّد الشقاء، والجهل فساد كل أمر، والجهل يفسد المعاد، والجهل أصل كل شر، والجهل معدِن الشر، والجاهل ميّت وإن كان حياً، والجاهل لا يرتدع وبالمواعظ لا ينتفع، والجاهل يستوحش مما يأنس به الحكيم، والجاهل من خدعته المطالب، فعمل الجاهل وبال وعلمه ضلال، وغنى الجاهل بماله، وضالّة الجاهل غير موجودة، وثروة الجاهل في ماله وأمله، وقال(ص) إن الجاهل مَن عصى الله وإن كان جميل المنظر عظيمَ الخَطَر: وقال الكاظم: تَعَجُّب الجاهل من العاقل أكثر من تعجب العاقل من الجاهل:

 

أخلاق الجاهل

 

هناك صفات يتخلّق بها الجاهل ويظن أنه يصنع خيراً لنفسه وهو في الحقيقة يقتل نفسه ويضر بمن حوله ولا يعبأ بما يحصل عقِب تصرفاته الهوجاء، ولا يقدّر عواقب الأمور وإن حملت من الضرر ما لا يطاق فالمهم لديه هو أن يتشبّه بأهل العلم من دون أن يكلّف نفسه عناء تحصيل العلم فهو يريد أن يقطف ثمار شجر غرسها غيره ويشرب من ماء بئر لا تصلح له، فمن الصفات السيئة التي اتُصف بها الجاهل، أولاً: يعدّ نفسه من أهل المعرفة فيما يجهل، وهذا عار عليه وبالخصوص إذا سئل عما لا يعرف فكيف سيجيب وبأي طريقة سوف يرد السائل؟ والفرق بين الجاهل والعالم فيما لا يعلمان أن العالم يقول أنا لا أعرف هذا الشيء على قاعدة نصف العلم لا أعلم، وأما الجاهل فلا يعترف بالجهل لجهله بكرامة الذي يعترف بعدم المعرفة فيما يُسأل عنه، وثانياً: إن الجاهل يكتفي برأيه وإن كان ضالاً ولا يأخذ برأي أهل العلم لتوهمه بأنه مثلهم أو أفضل منهم وهذا هو عين الداء العَياء الذي ينتهي بقتل صاحبه لأنه سريع التفشي والفتك، وثالثاً: إن الجاهل بعيد عن العلماء وكاره لهم لأنه لا يعتبر العلم كرامة ولا يدرك أهمية العلم وشأن أهله وأنه تعالى ميّز أهل العلم عمن سواهم ورفع لهم درجات كثيرة عنده، هذا من جهة ومن جهة ثانية أن الجاهل لا يقترب من العلماء ولا يجلس معهم حتى لا يظهر جهله لأنه قد يدعي العلم عند غير العلماء وقد يتكلم بغير الصحيح عند بعض البسطاء أما إذا تكلم بالخطأ عند العلماء فإنهم من باب الشعور بمسؤولية التعليم والحفاظ على العلم لن يسكتوا عن خطئه وإذا لم يسكتوا عن الخطأ معنى ذلك أنه افتُضح أمرُه أمام الناس ولذا فإنه لا يجالس العلماء بل يتهمه بالجهل كالمجنون الذي يتهم العقلاء بالجنون، ورابعاً: إن الجاهل يتهم كل من يخالفه بالخطأ لأنه يظن نفسه عالماً بل أعرف من غيره فلا يقبل نصيحة أحد من الناس، وخامساً: إن الجاهل يتهم الصواب بالضلال ليُثبت كونَه على حق وكون غيره على باطل، وقد أشار علي إلى هذه الصفات بقوله: إن الجاهل مَن عدّ نفسه بما جهِل من معرفة العلم عالماً، وبرأيه مكتفياً، فما يزال للعلماء مباعداً وعليهم زارياً ولمن خالفه مُخَطِّئاً ولِما لم يعرف من الأمور مُضلِّلاً، فإذا ورد عليه من الأمور ما لم يعرفه أنكره وكذّب به وقال بجهالته: ما أعرف هذا وما أراه كان وما أظن أن يكون وأنّى كان وذلك لثقته برأيه وقلة معرفته بجهالته، فما ينفكّ بما يرى مما يَلتبس عليه رأيُه مما لا يعرف للجهل مستفيداً وللحق منكراً وفي الجهالة متحيراً وعن طلب العلم مستكبراً: ويقول الصادق: من أخلاق الجاهل الإجابة قبل أن يسمع والمعارَضة قبل أن يفهم والحكم بما لا يعلم: وفي بيان بعض صفات الجاهل قال(ص) صفة الجاهل أن يظلم من خالطه ويتعدى على من هو دونه ويتطاول على من هو فوقه:

 

أجهل الناس

 

الجهلاء أنواع، نوع يعترف بجهله ولا يدّعي العلم ولا يعتدي على شأنه وهو ممن يُحترَم رغم جهله، ونوع لا يعترف بالحقيقة ولا يُقبل بأن يوصف بالجهل لتمسّكه برأيه أنه من أهل المعرفة ولا حظ له منها فهو نوع يشكّل خطراً كبيراً على مجتمعه وأسرته وجميع من هم حوله ممن يتأثرون بكلامه أو بالقرب منه فإنهم وإن نبذوا رأيه ولم يأخذوا بكلامه فلا بد وأن يعلَق في أذهانهم شيء مما قاله، ولأجل ذلك حذّرنا ربنا ورسوله من مصادقة الجاهل الذي يريد أن ينفعنا فيضرنا، ونوع هم أخطر على المجتمع من النوعين الأوّلَين وهم الذين وصفهم النبي وآله بأجهل الناس، ووجه الخطورة في هذا النوع أن بعضهم من أهل المعرفة ولكنه لم يتصرّف بمعرفته أو أنه استغل المعرفة لضرب المعرفة وإنكار الحق، أو أنه يقوم بأمور تجعله من أجهل الناس وإن كان في الموازين العلمية من العلماء، وفي بيان هذا النوع من الجهلاء نورد لكم جملة من الأحاديث الواردة فيهم، قال(ص) أجهل الناس المُغترُّ بقولِ مادحٍ متملِّق يُحَسِّن له القبيح ويُبَغِّض إليه النصيح: فالذين يقعون في هذه الحُفَر ليسوا الجهلاء الحقيقيين فقط وإنما بعض العلماء الذين خرجوا عن حدود علمهم، وقال(ص) غاية الجهل تبجُّح المرء بجهله: يعني هو الذي يحسب الجهل صفة كمال فيه مع أنها من أحط صفات النقص في العقلاء، وقال(ص) أعقل الناس محسنٌ خائف وأجهلهم مسيء آمن: فهناك أشخاص يحسنون وفي نفس الوقت يشعرون بالخوف من التقصير أو من سوء العاقبة فهم يحذرون الخطر الإلهي بالدرجة الأولى فهؤلاء من أعقل الناس لأنه هكذا يجب أن يتصرف العاقل، وأما أجهل الناس فهو الذي يسيء ويأمن من العاقبة فلا يخشى سوء عاقبته في الدنيا ولا في الآخرة، وهناك أمور يجب أن يعرفها الإنسان قبل أي شيء آخر وهي الأمور الخاصة بنفسه لأن التعرف على النفس يُعرِّف المرء على باقي أنواع المعارف إذ لا يمكن له أن يعرف شيئاً إذا كان جاهلاً بنفسه، ولا يليق بالعاقل أن يكون عالماً بالغير جاهلاً بالذات والنفس، ولهذا قال علي: أعظم الجهل جهل الإنسان أمرَ نفسه: وقال: تَكَثُّرُكَ بما لا يبقى لك ولا تبقى له من أعظم الجهل: يعني العمل للدنيا التي لا يبقى لها الإنسان ولا تبقى له لأنها سوف تزول عاجلاً أم آجلاً، وقال: رأس الجهل الجور: وقال: رأس الجهل معاداة الناس: وقال: كفى بالعالِم جهلاً أن ينافيَ علمَه عملَه: وقال: حيبك من الجهل أن تُعجَب بعلمك: وقال: لا تردّ على الناس كل ما حدّثوك به فكفى بذلك جهلاً: وأما بالنسبة لمصادقة الجاهل فقد قال(ص) أحكم الناس من فرّ من جهّال الناس: وقال علي: قطيعة الجاهل تعدِل صلة العاقل: وقال الرضا: صديق الجاهل في تعب: وقال العسكري: صديق الجاهل تَعِبٌ:

الشيخ علي فقيه

الشيخ علي الفقيه

قال سبحانه( واذكر ربك حتى يأتيك اليقين) إن ذكر الله عز وجل لا ينحصر بجارحة اللسان بل يجب أن ينبع من صميم القلب وتترجمه الطاعة الصادقة التي تتحقق بفعل الواجب والمستحب وبترك كافة المحرمات جعلنا الله واياكم من الذاكرين العابدين الصادقين الشيخ علي فقيه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى