
المَوْتُ أَوَلُ مَنَازِلِ الآخِرَة
قال سبحانه وتعالى(بَلْ يُرِيدُ الْإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ وَخَسَفَ الْقَمَرُ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ يَقُولُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ كَلَّا لَا وَزَرَ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ) فكثير من الناس يسألون عن القيامة أو متى يوم القيامة، وقد أجاب القرآن الكريم عن كل تلك الأسئلة حتى لا يبقى المرء في مقام الحيرة من أمره، وبالأخص فيما يتعلق بالمسائل الكبرى أمثال قيام الساعة التي تخص كل مخلوق بشكل مباشر لأنها مصيره الحتمي.
قال تعالى(كَلَّا إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ)
وقال رسول الله(ص) : إذا مات أحدكم فقد قامت قيامته فاعبدوا الله كأنكم ترونه واستغفروه كل ساعة:
وقال أمير المؤمنين(ع) : بالموت تُختم الدنيا:
وقال (ع) : الموت باب الآخرة:
فهناك قيامة خاصة وقيامة عامة، أما يوم القيامة الذي ذكره القرآن الكريم وركزت عليه الأحاديث فهو يوم الحساب والنشور، يوم يخرج الناس من الأجداث وينسلون إلى ربهم للحساب والجزاء، وهو اليوم الذي كان مقداره خمسين ألف سنة، وهو اليوم الذي تبرز فيه الجحيم لأهلها، وهو أشد وقت يشهده الإنسان في كل المراحل التي مر بها بدءاً من عالَم الذر والأصلاب والأرحام وعالم الدنيا والبرزخ، وهذه هي القيامة العامة التي يقوم فيها جميع الخلق من أجل الحساب، وأما القيامة الخاصة وهي التي تتحقق لفرد واحد وتختص به، وهي الموت الذي يصيبه، لأن الموت هو باب الآخرة، أو قل هو المدخل الأوحد للقيامة العامة، ولأجل ذلك صح تسمية الموت بالقيامة من هذا الباب، وفي هذا التعبير عن الموت بالقيامة شيء من التسامح، لأن القيامة العامة أو القيامة الحقيقية لا تتحقق بموت الفرد ولا حتى بموت الجميع، فلا نعلم متى تقوم القيامة بعد موت كل الناس، فلربما أخرها الله عز وجل آلاف السنين بعدهم أو ملايين السنين، فلا أحد يعرف ذلك، ولم يطلع الله أحداً على هذا السر الخاص بذاته عز وجل، ولا أحد يشعر بالوقت الذي مر وهو في عالم البرزخ، فالدقيقة فيه والمليون سنة سيان، فهو لا يعرف كم مكث في مرحلة البرزخ، لأنه حينئذ يكون أشبه بالنائم الذي لا يعرف كم لبث في النوم إلا بعد النظر إلى القرائن الدالة على وقت نومه من قبيل الساعة أو الضوء أو ما شاكله من العلامات كخروج الناس إلى أعمالهم وضجة الحركة في الشارع، فإن الإنسان عندما يخرج يوم القيامة للحساب لا يجد شيئاً من تلك العلامات التي تدله على كمية الوقت الذي قضاه في هذا النوم الطويل لأن كل الأنظمة في يوم القيامة تتغير وتتبدل وإلى ذلك يشير سبحانه بقوله(يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) وبالقيامة الحقيقية أو العامة يتحقق معنى قوله تعالى(وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) فالقيامة الحقيقية تعني البعث والنشور وتلك اللحظات الحاسمة في مصير الإنسان، ولا ينبغي لأحد أن يفهم قول النبي(ص) :إذا مات أحدكم فقد قامت قيامته.. بأن الإنسان بمجرد أن يموت يمثل بين يدي الله للحساب، فقد عرفنا أن المثول للحساب له وقت خاص لا يعلم مداه إلا الخالق سبحانه الذي أخبرنا في كتابه العزيز بأن يوم القيامة قريب، فهو في نظر الله سبحانه قريب وإن كان في نظرنا نحن بعيداً، قال تعالى(وَقَالُواْ أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا قُل كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا أَوْ خَلْقًا مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً)
الشيخ علي فقيه



